«ليس هناك خطوط أمامية في الحرب أو السلام، والعلم لا يعرف حدوداً، وليس للتكنولوجيا أي علامة، وليس للبيانات أي جواز سفر»، هذه مقولة شهيرة قالها أحد السياسيين المخضرمين.

وقد تجاوزت التحديات الجديدة، الفكرة القديمة، المتمثلة في الحدود، والنقل العالمي للبيانات الخاصة، فضلاً عن التأثير الروسي المزعوم في الانتخابات الأميركية. بالإضافة إلى الهجمات السيبرانية الإلكترونية المنظمة من الصين وأميركا على البرامج النووية الإيرانية، والخاصة بكوريا الشمالية.

وبحسب ما كتب المدير العام، مدير وكالة المخابرات المركزية السابق، ديفيد بترايوس، مؤخراً في مجلة «وورلد بوست»: فإن «القدرات السيبرانية تزيد من عدم وضوح الحدود بين زمن الحرب والسلم. وبين الفضاءات السلمية والعسكرية».

وقال: «بالنسبة إلى المجال العسكري، أصبح الإنترنت مجالاً لا محدوداً للحرب».

ومع ذلك، وعلى غرار ما حدث في الماضي، يخلص إلى القول بأن الأسلحة النووية في الماضي «ستعتمد أكثر على الخيال الأخلاقي، وعلى القدرة على تطوير مفاهيم ضبط النفس. ومن ثم ستعتمد على تطوير الابتكارات التقنية المذهلة».

ويجادل ماثيو داليك، بأن التقنيات السيبرانية ستغير وجه الحرب كثيراً، ومن ثم ستظهر القوة الجوية. وأنها أتاحت «الحرب الشاملة»، التي تدك فيها المدن الكبيرة. وللتحضير إلى ما قد يجلبه المستقبل، ينصح بأن «نسمح لخوفنا بأن يلهم أفكارنا. وأن يشارك في توقع المخاطر والنتائج الجديدة قبل أن تظهر».

وبالنسبة إلى الفيلسوف بيتر سنجر، «فما نحن أكثر عرضة لمواجهته، لا سيما في الوقت القريب، وهو منافسة أكثر احتداماً بالنسبة إلى المنافسة الرقمية ما قبل الحرب الباردة. حيث هناك رابط بين عمليات التأثير والتخريب والتجسس، وهذا أمر صحيح بلا شك، بالنظر إلى ما كانت روسيا تطمح إليه».

وتؤدي معالجة القضايا ذات الصلة الخاصة بـ «الحقائق البديلة» و«الأخبار المزورة»، بحسب الفيلسوف دانيال دينيت، إلى حجة عكسية، مفادها أن الكثير من الشفافية سيئ للديمقراطية. ويضيف أن «البقاء على قيد الحياة اليوم، يعني فهم العلاقة الخفية بين الشفافية والثقة». «الأمر ليس كما تعتقد. فكلما زادت الشفافية، زادت الثقة. الحقيقية عكس ذلك: عندما يكون كل شيء مكشوفاً، فإن كل البيانات تكون متساوية، وغير مفيدة على حد سواء».

وعندما لا يعلم أحد الأمور المخبأة، وفي ظل عدم وجود مؤسسات أو ممارسات يمكنها أن تؤسس وتحفظ المصداقية، على غرار ما يهدد به اليوم، بالنظر إلى الهيمنة الجديدة لوسائل الإعلام الاجتماعية، فليس هناك من أرضية صلبة للخطاب الديمقراطي. ويقال إن هذه الشفافية الجديدة، تمكن سباق التسلح من الانتشار. وبالتأكيد، فإن فكرة الموضوعية بكاملها هي ضحية معركة الحقائق تلك.

ومن جهة تكافح الحقيقية بقوة كي تجد مكاناً لها. وبحسب ما أشارت له تقارير نيك روبينز المبكرة، وعلى نحو مثير للدهشة، فإن المسيرات الكبيرة أخذت مكانها في 90 مدينة على امتداد روسيا، مؤخراً. وحدث ذلك بالتزامن مع الكشف عن الفيديو الذي أطلقه ناقد الكرملين اليكسي نافالني، متحدثاً عن المراكمة الفاسدة للثروة من قبل رئيس الوزراء الروسي، ديمتري ميدفيديف.

وردت الحكومة الروسية على ذلك باعتقال 700 متظاهر، بمن فيهم نافالني، الذي وضع مدة 15 يوماً في السجن. وترى أندريا براسو من «هيومن رايتس ووتش»، أن إدارة ترامب دعت روسيا «إلى الإفراج الفوري عن جميع المتظاهرين السلميين». وترى فيه علامة على أن الضغط العام أمر جيد. سواء في تأثيره في واشنطن أو في الكرملين.

وعلى الجانب الآخر من القارة، أعلنت تيريزا ماي، عن خطة بلادها للخروج من الاتحاد الأوروبي بعد التصويت على «الخروج»، في بيان في وقت سابق من هذا العام، وكان ذلك جزءاً لا يتجزأ من تزايد ردود الفعل المضادة للعولمة. ويعتقد وزير التجارة البريطاني السابق، بيتر ماندلسون، أن هذا هو سوء حكم استراتيجي. «وتكمن المخاطرة الأكبر في الجدال السياسي الحالي»، ويضيف: «إننا نتحرك من الحقيقية التي لا يمكن إنكارها، والقائلة بأن العولمة يمكن أن تعمل على نحو أفضل بالنسبة إلى الاستنتاج الكاذب بأننا أفضل حالاً بدونها».

وبالنظر إلى تفكيك أوروبا بعيداً عن بكين، يقدم كريستوفر تيودور أوجليا، رداً جديداً على الشعبوية المتنامية في القارة: والتي تمثل «ديمقراطية عمودية»، يمتلك فيها المواطنون قوة أكثر ومسؤولية أكبر على مستواهم المحلي، بينما في الوقت ذاته، يفوضون قوى أكبر لبروكسل بشأن القضايا الكبرى، مثل تغير المناخ. وبينهما يتم تصور وجود ترتيبات إقليمية تجريبية، يتم من خلالها تنسيق الكفاءات.