على أبواب معرض أبوظبي الدولي للكتاب - الذي سينعقد في السادس والعشرين من أبريل الجاري- يهب الشباب عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لالتقاط العناوين المفضلة، والكتب الحديثة، ودور النشر المعتبرة. يأتي المعرض، وسط رعاية سياسية كبرى، لمفهوم القراءة والتي يصفها الشيخ محمد بن راشد بأنها «من أسس التنمية»، وفي جيلٍ إماراتي صاعد بتعليم نوعي يتفوق على معظم دول المنطقة.

الرخاء والاستقرار مكنا المجتمع الإماراتي من شقّ طريقه نحو الاستزادة من العلم، في السابق كان الخليجيون كلهم يلحقون لقمة العيش ويريدون مقاومة الجوع والفقر، وهزيمة الموت بحد ذاتها إنجاز بهذه الصحراء القاحلة المقفرة، والتي تحداها الإنسان الخليجي، حتى اهتزت وربت، وأنبتت من كل زوجٍ بهيج. بقيت الدول هذه تكتشف المستقبل مثل طفل يكتشف الأشياء من حوله، حتى تمسك بالدهشة وتعلق بها، وصارت هي أساس الفضول العلمي والمعرفي.

معرض الكتاب، فرصة لتجديد العهد مع الكتاب، بعد أن سيطرت الأدوات التكنولوجية على العقل واللسان، متخصصون يرون حالاتٍ ازدياد لـ«التأتأة بالنطق، والتشويش بالعقل، والهزال في التفكير» بسبب إدمان العبث بالأجهزة لعباً أو دردشةً، وعلاج ذلك بالقراءة وإدمان النظر بالكتاب، فهو كائن حي، وصديق فذ، ومن خلاله نسافر ونحن على أرائكنا نحو التاريخ... يهبك لمعة فكرة، أو لذة نص، أو فتنة قصة، أو سحر رواية... بالكتاب نفرح، ونتشارك مع الآخرين تاريخهم وقصصهم، آمالهم وآلامهم، فالقراءة هي سياحة، غير مكلفة للعصور والقرون، فالقراءة رياضة العقل، وكلما كانت اللياقة مع الكتب عاليةً كان العقل أدرب، واللسان أفصح، والحجة أوضح!

مفكر فرنسي شهير مثل جيل دولوز (1925-1995)، يصف نفسه بقليل السفر، عواصم عديدة كبرى لم يزرها، ومع اعترافه بأهمية الأسفار، والإبحار، لاكتشاف جسد الطبيعة، غير أنه يمتن للقراءة، التي منحته فتنة السياحة، إذ بها شرّق وغرّب، افتتن وسُحر، هام وانبهر، وطار بكل جذل نحو الحضارات والأمم والشعوب، وجال بكل متعة في طبائع الإنسان، وخبر المفاهيم، واكتشف الأسرار من خلال فتنة القراءة وسحر الكتاب، لم ير في السفر وحده معرفةً، ولم يعتبر القراءة أيضاً من دون سفرٍ كافيةً، ولكنه اعترف بتعويضٍ كبير قدمته له القراءة، ويمتن بشغف لما أخذه من نبع الكتاب.

مع الصرعات الحديثة تطور مفهوم القراءة، ليشمل الكتاب والنصوص والجماليات معاً، فاللوحة الجميلة، أو الفيلم القوي، والجملة البصرية الساحرة تعتبر جزءا من حيوية القراءة ومجالاتها، بل إن المفكر اللبناني علي حرب (1939- )، يعتبر الجملة الرياضية الرائعة في كرة القدم أو التنس أو كرة السلة، تعتبر نصاً يستحق القراءة، ويضرب مثلاً بعددٍ من كتبه بإبداعات اللاعب الفرنسي زين الدين زيدان، الذي جعل جاك شيراك، يرقص طرباً في نهائي كأس العالم أمام البرازيل عام 1998.

كل الجماليات يمكن إخضاعها، لمفهوم القراءة بالمعنى الأكثر شموليةً للكلمة.

القراءة قرينة الدهشة والفضول، والإنسان يقضي طوال حياته وهو منبهر مندهش من الاكتشافات الكونية، ونتائج العلوم والمعارف، ويجب عليه أن يحافظ على مستوى الدهشة هذا، لتمتين علاقته بالوجود، وشحذ رؤيته، وصقل تجربته، ومعرض أبوظبي الدولي والسنوي للكتاب، يأتي في سياق الرعاية الشاملة، لمعنى القراءة، وهذا مشهود بتصريحات رئيس الدولة الشيخ خليفة، ودعم غير محدود من الشيخ محمد بن زايد، والذي يتفقد المعرض سنوياً بشخصه أو بمن ينيبه.

القراء هم الأحياء، أما المغلقون لأذهانهم، القانعون بمعارفهم، لا يستطيعون تجاوز الموروثات الجاهزة، والأفكار المعلبة، والدفاع عن أفكارٍ لم يصنعوها بأنفسهم، أو يكتشفوها بالقراءة والحوار، وإنما فقط بالتلقين.

القارئ يعيش أكثر من حياة بوقتٍ واحد!.