لم يحقق ترامب إلا القليل من أجندته حتى خلال المئة يوم الأولى له في القصر الرئاسي، وهذا يجب أن لايعمي أعيننا عن التأثيرات الكبيرة الذي أحدثته أجندته لنظام حكومتنا في الوقت القصير نسبياً، لا سيما أداء رئاسته.

يعتبر مكتب الرئيس مركزاً لقيم الأمة منذ فترة مبكرة، وجسدت واشنطن وجيفرسون ولينكولن، والروزفلتسان السلطة الأخلاقية الأعلى في الأرض بالنسبة لأجيال من الأميركيين.

الأمر ليس ما أنجزه هؤلاء الرجال بل كيف أنجزوا ذلك، وليست سياساتهم فقط بل تأثيراتهم الإيجابية على مؤسسات الحكم الديمقراطي.

يصح القول إن رؤساءنا، سابقاً، فشلوا في الوصول إلى المعايير المتوقعة، إلا أن خيبات الأمل التي مني بها هؤلاء الأفراد عكست المستويات العالية لتوقعاتنا بخصوص من يحكم المكتب الرئاسي.

أنا متقدم في السن بما فيه الكفاية لأتذكر عندما دعا جون كيندي كبار مفكري العالم والكتاب والفلاسفة لتناول الطعام في البيت الأبيض، وقتها شعرت الأمة بالعظمة، فيما دعا دونالد ترامب سارة بالين وتيد نوجنت، الذي انتقد يوماً الرئيس أوباما، ومع ذلك لم نشعر بالإساءة.

إلا أن ذلك لم يظهر أية ثغرة لترامب، ودائماً ما كان هناك روايات صارخة ومتواصلة ومشكوك في صحتها حتى بعد الإشارة مراراً وتكراراً إلى عدم وجود أدلة عليها.

ليست هناك أية روايات فقط بل روايات عمقت من شكوك الأميركيين تجاه بعضهم بعضاً وقللت من الثقة الممنوحة لنظام حكمنا، مثل تصريحاته المتكررة المتمثلة في أن ثلاثة إلى خمسة ملايين شخص صوتوا على نحو غير قانوني خلال الانتخابات الأخيرة، أو أن أوباما تجسس عليه خلال الحملة.

ونمق الرؤساء السابقون الحقيقة وتهربوا منها، في بعض المناسبات، وأحياناً بشأن أمور مهمة مثل وجود أسلحة دمار شامل في العراق، ولكن لم يكن لدينا رئيس قبل ترامب، يتجنب المباشرة والوضوح، وباتت رواياته جزءاً لا يتجزأ من رئاسته حتى خلال المئة يوم الأولى.

هناك أيضا شركة ترامب العائلية الكبيرة، والتي لايزال ينتفع منها، رغم القرارات التي يتخذها في المكتب الرئاسي، والتي تؤثر على مكاسبه، بالإضافة إلى إحدى أكثر القرارات جدية التي تتخذها الحكومات الأجنبية والتي تحاول الانتفاع من مشاريعه، ويتغاضى ترامب عن مثل هذه التناقضات، ويرفض الإفصاح عن عائداته الضريبية، حتى أنه يدعو ابنته وصهره بأن ينضموا إليه على أعلى المستويات التي يمكن أن يصلوا إليها في البيت الأبيض.

واستفاد بعض الرؤساء من رئاستهم بعد تركهم منصبهم الرئاسي من خلال رسوم الخطابات الكبيرة وعقود الكتب، لكن لم يكن لدينا قبل الرئيس ترامب رئيس يعاني من مشكلات في مصالحه المالية خلال رئاسته.

وكشفت المئة يوم الأولى لحكم ترامب عن أنه ألب الأميركيين بعضهم ضد بعض، وشرع الكراهية تجاه المكسيكيين من أصول أميركية، والمسلمين الأميركيين والأميركيين من أصل إفريقي، وأجج العنف بين المؤيدين والخصوم، ولقد كان هناك انتخابات مثيرة للجدل من قبل.

ولكن عقب مثل تلك الانتخابات سعى رؤساء آخرون إلى تضميد الجراح، وحتى عقب أهوال الحرب الأهلية طلب لينكولن أن نكون معاً، وعلى نحو مناقض، أثار ترامب الجهات المتحاربة، واصفاً خصومه بـ «الأعداء»، قائلا إنهم يتآمرون ضد إدارته، وينظمون مسيرات لتشجيع وتأييد مؤيديه الأساسيين.

ولقد رأينا قسوة ترامب تجاه اللاجئين أيضا، والمهاجرين غير الموثقين، والفقراء الموجودين بيننا، وخصص ميزانية قد تمس على نحو كبير الأميركيين الأقل انتفاعاً، ودعم إلغاء قانون الرعاية الصحية، وهو ما من شأنه أن يضر أيضا بمن هم في أمس الحاجة للقانون.

ورفض اللجوء السياسي، في الوقت الذي يواجه فيه العالم أكبر أزمة للاجئين منذ الحرب العالمية الثانية، وتعرض إلى ضوابط الهجرة الخاصة بنحو أحد عشر مليوناً من سكان الولايات المتحدة، وكان كثير منهم أعضاء منتجين في مجتمعاتهم لسنوات، حتى أنه رّحل المهاجرين الذين كانوا هنا منذ الطفولة ولا يعرفون أية دولة أخرى.

وكان هناك تأثير لترامب على بقية العالم، من حيث شرعنته للنزعة القومية وكراهية الأجانب، وقد روج للمرشحة مارين لو بان، في الوقت ذاته الذي أربكت فيه الحلفاء الديمقراطيين والأصدقاء، ومؤخراً، عبر دونالد ترامب عن نفسه خلال المئة يوم الأولى باعتباره رئيساً متفوقاً.

وأبدى كراهية للأجانب وكشف عن نزعاته وعن انتقائية وحساسية، ولام الصحافة والصحافيين الذين انتقدوه، وشوه سمعة القضاة الذين لم يتفقوا معه.

وفي السابق، كان لدينا رؤساء أصابت عيوبهم الشخصية رئاستهم وشوهت مكاتبهم مثل ريتشارد نيكسون، إلا أن دونالد ترامب موجود في جماعة مختلفة تماماً، وهو يظهر كل الفضائل المدنية التي يتم تشجيعها حاليا أكثر من أي وقت مضى، سواء في صفوف المدارس أو قاعات البلدية أو دور العبادة.

وتعتبر المئة يوم الأولى حالة مصطنعة للرؤساء، إلا أنها فرصة لتقييم ما وصلوا إليه. وغالباً ما نفكر في مقياس ضيق للسياسات والتشريعات.

وبالنسبة إلى ترامب فمن الأهمية بمكان أن يفكر على نحو أوسع، ومن بين أهم الأمور التي شهدتها المئة يوم الأولى من حكمه، تهميشه للسلطة السياسية لمكتب الرئيس وبالتالي لأميركا.