مشروع العروي وجائزة الشيخ زايد

ت + ت - الحجم الطبيعي

عبدالله العروي، ابن أزمور بالمغرب، يحصد جائزة الشيخ زايد للكتاب. كان منذ الخمسينات مشبوباً بالأسئلة الفكرية الكبرى، تأثر بالفكر الثوري الأوروبي وفلسفات الأنوار، واعتنى كثيراً بالجوانب التاريخية وعلاقاتها الأيديولوجية. حين ألف كتابه «الأيديولوجيا العربية المعاصرة» عام 1970، قدّم له مكسيم رودنسون.

وكان الكتاب حدَثاً على المستويين الفكريين الأوروبي والعربي، وذلك بعد أن ترجمه إلى العربية محمد عيتاني. والعروي وإن كان بداخله روائي عبر أعماله مثل «اليتيم»، «غيلة»، و«الفريق»، إلا أنه ما لبث أن نعى الروائي مودعاً إياه، باعتباره لم يمت وإنما «تبخّر، ولم يعد له أي حضور».

لقد غلبت أعماله الشاملة، ومشروعه التاريخي، والفكري الروائي فيه، ولعل الساحة الفكرية كسبتْه، ولأَن يكون مفكراً في الصفوف الأولى العربية والعالمية، خير من أن يكون روائياً في الصف الثاني، لهذا بزغ نجمه وسطع.

العروي خاض غمار تاريخ المفاهيم راصداً ومؤرخاً، وتعتبر كتبه: «مفهوم الدولة»، «مفهوم الحرية»، «مفهوم التاريخ»، و«مفهوم الأيديولوجيا»، من الكتب الفلسفية المرجعية للطلاب والأكاديميين والمتخصصين.

فقد أسس لمرحلةٍ ولجيلٍ من المفكرين بالعالم العربي، من المشارقة والمغاربة، من خلال أخذ المفهوم من جذره، ودراسة تقلباته وتحولاته واستعمالاته، فهو حين يرصد مفهوم الحرية على سبيل المثال، يفحص المفهوم بمجالاته الإغريقية والأوروبية الحديثة والعربية.

ويشرح فروقات كل استعمال، ومثل ذلك بكتابه صغير الحجم، كبير القيمة «مفهوم الدولة»، إذ أخذ مجالات حركة ونشأة المفهوم منذ البدء، وعالجها تبعاً للعلاقات الفكرية والفلسفية والسياسية والاقتصادية، ما جعل عمله يتجاوز التاريخي البحت، ليدمج معه الفلسفي والفكري، وكل ما يحيط بالمفهوم من جذور، وفروع ضمن صورة كاملة، لا مجتزأة.

هشام عابد في دراسته عنه خلص إلى أن:«العروي يرى أن الطريق الوحيد للتخلص من الانتقائية والسلفية هو الخضوع للفكر التاريخي بكل مقوماته: صيرورة الحقيقة، وإيجابية الحدث التاريخي، وتسلسل الأحداث ثم مسؤولية الأفراد عنها» (العرب والفكر التاريخي).

هذا الفكر التاريخي - في نظر العروي- هو الذي يستطيع تحريرنا من أصالة موهومة تمجد التراث، لذلك يدعو إلى ماركسية تاريخية، مقوماتها كما يرى: «الإيمان ثبوت قوانين التطور التاريخي ووحدة اتجاهه وإمكانية اقتباس الثقافة (أو ما يطلق عليه وحدة الجنس)، ثم إيجابية دور المثقف والسياسي».

اهتمام العربي بالأيديولوجيا هو اهتمام مفهوميّ، ولا يعبر عن انتماء محدد لجهة من الجهات، برغم اقترابه من التيارات اليسارية في شبابه، لكنه لاحقاً اقترب أكثر من القيم الليبرالية وأفكارها، ولذلك تراه شاكياً: «ما زال البعض يرفض هذا الفرق ويناقش كلامي على أساس أنه مجرد أيديولوجيا لا تختلف عن تلك التي أخذها مادة لبحثي. ونصل حسب هذا المنطق إلى موقف عجيب حقاً.

إذا قلت سأصف طيور المغرب، يُقال: هذه دعوة أيديولوجية لأن قائلها يتكلم عن الطيور تحاشياً للكلام عن بني آدم. في هذه الحال يمتنع الحوار الهادف.الأيديولوجيا بالمعنى الأصلي، اللغوي، هي البحث في منشأ الأفكار، وهذا ما أقوم به. هذا لا يمنعني من التعبير عن رغائب خاصة بي.

وحينذاك أعبر عن أيديولوجيا بالمعنى الأول، ولكني أميز باستمرار بين الموقفين. أما من يرفض التمييز فقد يُقال له إن كلامه أيضاً أيديولوجيا، وكلام الغير عليه أيديولوجيا أيضاً، إلى ما لا نهاية».

العروي هو الحدث والحديث منذ نصف قرن وأكثر، وحسناً أنه هجر الرواية، فقد كان حضوره الفلسفي والفكري يعتبر ضمن أهم مشاريع العرب في القرن العشرين، وحقّ له الفوز بهذه الجائزة اللافتة.

 

Email