فريقان سياسيان يتشابهان في اقتناص الفرص في الأزمة اليمنية، الجماعات الإخوانية والانفصاليون في الجنوب.
كلاهما لا يحارب بنفسه، يعتمد على غيره، حليفان رغم الخصومة والتراشق الإعلامي. الإخوان المسلمون يرون أن انفصال الجنوب يعد مقبولاً، ويمنحهم مساحة أفضل للهيمنة على المسرح السياسي في الشمال، على اعتبار أن الانقلابيين منهكان من الحرب، الحوثيون وحزب الرئيس السابق علي عبد الله صالح.
وكذلك الانفصاليون الجنوبيون،الذين يرون أن فصل الشمال عنهم، يقلص المساحة والسكان، ويعظم فرصتهم في الحكم في عدن.
لقد سبق لي أن كتبت رأياً ضد فكرة الانفصال منذ فترة، ووصلتني احتجاجات عاطفية كثيرة لم تكن مقنعة، مع احترامي لمن اختلف معي.
أولاً، الانفصال مشروع تغيير سياسي، تحقيقه أصعب حتى من الانقلاب، فمن حيث المبدأ، لا يتحقق انفصال إقليم عن دولة فقط لأن أهله قرروا ذلك، ولو بالإجماع، وإلا تفككت دول كثيرة في العالم.
هناك قانون دولي يحكم التوجه للانفصال، فأكراد العراق عملياً انفصلوا منذ عام 1990، أي قبل تحرير الكويت آنذاك، ومع هذا ها هم ينتظرون منذ نحو 27 عاماً الاعتراف بدولتهم.
لا ننسى أن الأكراد قوم لهم لغة وعلم وبرلمان يميزهم عن بقية العراق، وهناك أنموذج الصومال، متفكك منذ عشرين عاماً، وفيه دويلات مستقرة لها سلطة وعلم وعملة، مع هذا لم يعترف بها أحد.
حتى إسكتلندا التي تتوعد بريطانيا بالانفصال، لا تستطيع إلا برضا وموافقة لندن.
هناك العشرات من المطالب الانفصالية في أنحاء العالم من أقاليم متململة لم تفلح في الاستقلال، لأن النظام الدولي يرفض الاعتراف بها، حتى لو تمكنت من ذلك.
نعم، يستطيع الانفصاليون الجنوبيون الانفصال فقط في ظروف ملائمة، لكن ليس في غياب الدولة بسبب الحرب، كما هو الحال اليوم.
هذا محتمل عندما تستقر الأوضاع، وتكون هناك حكومة دائمة، فالحالية مؤقتة، أو يعد ممكناً بوجود برلمان شرعي منتخب، وعندها يمكن الانفصال بشكل شرعي إذا وافق اليمنيون من الجانبين عليه.
هذا ما جرى في السودان، حيث إن حكومة البشير قبلت بانفصال الجنوب، وبرعاية دولية.
الملاحظ في خطاب الانفصاليين أنهم لا يتجاهلون هذه الحقائق فقط، بل أيضاً يهونون من إشكالات المستقبل «بعد الاستقلال».
للجنوب مشاكله التي زاد منها نظام صالح آنذاك، وفي الجنوب فرق شتى تتنافس على السلطة، ولا توجد ضمانات باستقرار الجنوب عندما ينفصل، بل إن هذا قد يفتح باباً أوسع من الصراعات.
الجنوب، مثل الشمال، فيه قبائل متنافسة، وزعامات محلية متصارعة.
لا شك عندي أن أغلبية سكان الجنوب فعلاً يريدون الانفصال، ومنذ زمن حكم صالح، فقد كانت الوحدة مفروضة عليهم بتحالف الفريق الجنوبي المهزوم مع نظام علي صالح في الشمال، وبدأت مأساتهم بمؤامرات وخلافات، وانتهت بمسرحية اسمها الوحدة.
لقد أفقر صالح الجنوب كما أفقر الشمال وجوّعه، لكن على الجنوبيين ألا يستعجلوا الاحتفالات، لأن الانفصال مسألة يحكمها القانون الدولي، وليس الشارع العدني، وفِي حال تعذر الانفصال عندما تستقر اليمن، فإن هناك خيارات لا تقل جودة فيها استقلالية إدارية واسعة، مثل النظام الفيدرالي أو حتى الكونفدرالي.