في أوائل مارس الماضي، قال مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي جيمس كومي للجمهور في مؤتمر الأمن السيبراني فى بوسطن: «أنت عالق معي لست سنوات ونصف». ورد الرئيس الأميركي دونالد ترامب على ذلك بفصله من عمله.

وكان مكتب التحقيقات الفيدرالي مثالاً بارزاً على التسييس المتفشي في المؤسسات الاتحادية. لا سيما تلك التي تتناول مسألة الأمن الوطني والاستخبارات. ومن المفترض على مكتب التحقيقيات الفيدرالي أن يمثل «شرطة مكافحة الجريمة». وهو يعتبر مثالاً صارخاً على تسييس المؤسسات الاتحادية، وخاصة تلك التي تتعامل مع الأمن القومي والاستخبارات.

ويفترض بمكتب التحقيقات الفيدرالي أن يمثل مكتب التحقيقات الاتحادي المعني بمكافحة الجريمة. ولكن عوضاً عن ذلك تخطى ميزانيته المقررة على ما يبدو، رغم أن التهديد كان في المقام الأول يقع على عاتق ولاية قضائية خارجية.

وعندما أصبح الإرهاب أمراً كبيراً في ميزانية الدولة الأميركية، تولى مكتب التحقيقات الفيدرالي مسؤولية (الوكالة المحلية)، وتولى مسؤولية القائمة الدولية المعنية بإلقاء القبض على أعتى «الإرهابيين المطلوبين».

بالنظر إلى أن معظم الإرهابين المطلوبين موجودون في الولايات المتحدة فسيكون المطلوب من مكتب التحقيقات الفيدرالي أن يمرر البيانات إلى وكالة الاستخبارات المركزية، وتوزيع مكتب التحقيقات للجوائز المالية.

ويتعلق الأمر بالبراغماتية بدرجة أقل، وبدرجة أكبر للإبقاء على الجميع سعيداً وممولاً تمويلاً جيداً، وكتب السيناتور الجمهوري تشاك غراسلي، رئيس اللجنة القضائية في مجلس الشيوخ، إلى كومي في السادس من مارس الماضي، معرباً عن قلقه إزاء تسييس مكتب التحقيقات الفيدرالي.

بحسب الملف المرفق فإن «قضية ستيل» أصبحت ملقاة على كاهل الشركة التي تم تعيينها من قبل الديمقراطيين المؤيدين لهيلاري كلينتون، ومكتب التحقيقات الفيدرالي على علم بذلك. (وقد تعامل مكتب التحقيقات الفيدرالي، أخيراً، مع القضية، ولم يتلق أية أموال).

تكمن الفكرة في أن مكتب التحقيقات الفيدرالي والمرتبط بحملة كلينتون سيدفع ستيل للتحقيق في المرشح الجمهوري للرئاسة في الفترة التي سبقت الانتخابات. وأثارت هذه مجموعة من الأسئلة المتعلقة باستقلالية المكتب الفيدرالي عن السياسة، وكذلك استخدام إدارة أوباما لوكالات إنفاذ القانون والاستخبارات للأغراض السياسية، وذلك بحسب ما كتب غراسلي في رسالة إلى كومي.

وتسعى مؤسسات أميركية في واشنطن لاستمرار الحصول على أقصى قدر يمكن تحقيقه من أي قضية معينة من خلال تسييسها. وقد حاولت اللجان نفسها التي تدعي الانخراط الروسي في العملية الديمقراطية جعل روسيا كبش فداء قبل الانتخابات بفترة طويلة.

وفي مايو من عام 2016 وقبل أن يفوز ترامب في الانتخابات الرئاسية عن الحزب الجمهوري، أشارت اللجنة الدائمة للاستخبارات في مجلس النواب إلى أهمية «فحص التدخل الروسي المتزايد»، وذلك في تقرير موصى به بإذن من ميزانية الاستخبارات الخاصة لعام 2017.

عقب مرور أسبوعين على فوز ترامب في الانتخابات، باتت هذه القضية مشروع القانون الفعلي الذي يؤذن بتمويل الاستخبارات، ويتضمن إنشاء لجنة لمكافحة «التدابير النشطة من جانب روسيا لممارسة نفوذها السري».

وعلينا الآن إيجاد أدلة موثوقة للتدخل الروسي في الانتخابات الأميركية. ولكن تم تخصيص جزء كامل في مشروع قانون الميزانية الخاصة بهذه القضية؟ غير أن الذي حدث على وجه الدقة في أعقاب الانتخابات كان ذريعة غامضة تساعد على تبرير الإنفاق الدائم. ويعتبر «التدخل الروسي» نسخة الأمن القومي المعنية بمسألة «تغير المناخ».

ولا يبدو كل هذا التحقيق وسيلة للقضاء على الكثير من الطرق، بقدر ما يعتبر نهاية في حد ذاته. وطالما أن الرجل الشرير موجود فإن المال يظل يتدفق، وتبقى المؤسسة مرتاحة. وهذا يحدث أيضاً عندما يحاول ترامب إيقاف هذه القضية. وفي هذه الحالة فإن تسريح شخصية مؤسسية مثل كومي يدفع باتجاه إثارة الكثير من الأسئلة.