منذ حفر قناة السويس قبل مئة وخمسين عاماً، ظل البحر الأحمر من جنوبه، حيث باب المندب وخليج عدن وحتى المدخل الجنوبي للقناة، مجالاً حيوياً مباشراً للأمن القومي المصري، مرتبطاً بالأمن القومي العربي.

وقد ظهر الاهتمام المصري الرسمي البالغ بهذه المنطقة بهذين المعنيين خلال الفترة الأخيرة في عديد من المواقف والقرارات.

كان القرار المصري الرسمي الأخير في ما يخص هذه المنطقة، ومعها منطقة الخليج العربي، هو الصادر في يناير 2017 عن مجلس الدفاع الوطني، المجلس الأعلى الذي يبت في شؤون الأمن القومي والدفاع في مصر بحكم الدستور، والذي يرأسه رئيس الجمهورية، ويضم كبار المسؤولين السياسيين والعسكريين في البلاد.

نص القرار على «تمديد مشاركة العناصر اللازمة من القوات المسلحة المصرية في مهمة قتالية خارج الحدود للدفاع عن الأمن القومي المصري والعربي في منطقة الخليج العربي والبحر الأحمر وباب المندب» لمدة عام آخر، وذلك بعد اتخاذه للمرة الأولى في مارس 2015، بعد اشتراك مصر في تحالف عاصفة الحزم الذي تقوده السعودية في اليمن.

حول طبيعة المشاركة العسكرية المصرية في هذه المنطقة، أكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في أبريل 2015، أن مصر أرسلت قوات جوية وبحرية فقط للمشاركة في عملية «عاصفة الحزم» في اليمن والمنطقة المحيطة به، مؤكداً أنه في حال إرسال قوات أخرى، سيعلن عن ذلك، وهو ما لم يحدث قط.

لقد لخص الرئيس المصري بعدها أسباب إرسال القوات المصرية إلى هذه المنطقة، بأن «تأمين الملاحة في البحر الأحمر وحماية مضيق باب المندب، تُعد أولوية قصوى من أولويات الأمن القومي المصري»، مشدداً على أن مصر لن تتخلى عن أشقائها، ليس فقط في الخليج، ولكن في كافة الدول العربية، كما كان الجيش المصري قد أعلن على لسان مصدر مسؤول به قبل شهرين من تصريحات الرئيس السابقة، في فبراير 2015، بأنه مستعد للتدخل جواً وقصف مناطق المتطرفين أو الجهات التي تقوم بإغلاق المضيق وبالصواريخ بعيدة المدى، إن اقتضت الحاجة، لأن القاهرة ستدافع عن مصالحها مهما كلف الأمر.

وأتت الخطوة العملية الأهم لتأكيد اهتمام مصر بتأمين البحر الأحمر ومضيق باب المندب وخليج عدن، بإعلان إنشاء الأسطول المصري الجنوبي في يناير 2017، والذي تغطي مهامه هذه المناطق، انتهاءً بتأمين العبور في قناة السويس، وذلك للمرة الأولى في التاريخ الحديث للعسكرية المصرية، وقد قام بتدشين الأسطول، الرئيس عبد الفتاح السيسي، مرتدياً الزي العسكري، كقائد أعلى للقوات المسلحة المصرية، في ثالث ظهور رسمي به منذ توليه الرئاسة، في رسالة واضحة لأهمية الأسطول والمنطقة التي تغطيها مهامه لقيادة مصر العليا.

ولخص الناطق العسكري في الاحتفال، الأسباب العامة لإنشاء الأسطول، في أنه «نظراً لتغيير موازين القوى، وما طرأ على المنطقة من تغييرات استراتيجية، يمكن أن تؤثر سلباً في أمننا القومي، كان لا بد من تطوير الأسطول البحري، ليواكب تلك المتغيرات، ويبسط سيطرته الكاملة على المسرح البحري المصري».

وأكد نفس المعنى بصياغات أخرى، قائد القوات البحرية المصرية، بقوله إن إنشاء هذا الأسطول، يعكس رؤية استراتيجية للمستقبل، بما يحتويه من حجم تهديدات وتحديات هائلة، حيث إن مصر بدورها الإقليمي، لن تقف صامتة أمام هذه التحديات والتهديدات، بل ستظل تنبض وتقوم بالدور الفاعل على المستويين الإقليمي والدولي.

من الجانب العربي، أكد اللواء أحمد العسيري، المتحدث الرسمي باسم قوات التحالف العربي، المعلومات السابقة في عديد من التصريحات، منها ما جاء في فبراير 2017، عن الأوضاع في باب المندب، حيث قال إن «هذا الممر آمن ومستقل ويمر عبر خطوط آمنة، وما تقوم به اليوم قوات التحالف، بما فيها القوات البحرية المصرية، هو جزء من واجب تقوم به، خدمة للمجتمع الدولي».

كما صرح وزير الإعلام اليمني في يونيو 2016، بأن دور القوات المسلحة المصرية، وخاصة البحرية، أساسي في تأمين باب المندب، وأنها تكاد تقوم بالدور الأكبر هناك على صعيد التحالف العربي، في ما يتعلق بالتأمين البحري والرقابة على شواطئ اليمن، التي تمتد لأكثر من 2000 كم، وأيضاً دورهم على الصعيد العسكري في الطيران واضح وأساسي في قوات التحالف.

من كل ما سبق، يبدو واضحاً ومؤكداً، أن السياسة الخارجية المصرية في وجهيها الدبلوماسي والعسكري، تهتم بصورة بالغة بمنطقة البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن.