تناولنا سابقاً أبرز ملامح الاهتمام المصري بمنطقة البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن، وهو ما سنكمله هنا بالتطرق لأسباب هذا الاهتمام، وأيضاً أبرز ملامح السياسة المصرية تجاه هذه المنطقة.
فأما الأسباب الرئيسة لاهتمام مصر، فإنه يمكن تلخيص أبرزها في التالي، فمن الناحية الاقتصادية يعد باب المندب بالنسبة لمصر أحد أهم الممرات المائية في العالم وأكثرها احتضانا ًللسفن التجارية وبخاصة ناقلات النفط ومشتقاته والغاز الطبيعي السائل، حيث يربط بين البحر الأحمر وخليج عدن الذي تمر منه كل عام نحو 25 ألف سفينة تمثل 7% من الملاحة العالمية، وتزيد أهميته بسبب ارتباطه بقناة السويس ومضيق هرمز.
تمثل محاولات جماعة الحوثي في اليمن السيطرة على مضيق باب المندب وخليج عدن خطراً استراتيجياً كبيراً على الأمن القومي المصري والأمن القومي العربي، حيث يعني هذا تواجد قوة عسكرية إيرانية في المضيق، ما يمثل تهديداً مباشراً للملاحة الدولية المتجهة من الخليج العربي إلى أوروبا عبر قناة السويس، وهو الأمر الذي قد يدفع حركة ناقلات النفط للمرور عبر رأس الرجاء الصالح وتفادي البحر الأحمر وقناة السويس، ما يرتّب على مصر خسائر اقتصادية ومالية فادحة.
تتضح أكثر الأهمية الاستراتيجية والعسكرية لباب المندب وخليج عدن بالنسبة لأمن مصر القومي خصوصاً وللأمن القومي العربي عموماً، من الخبرات العسكرية التاريخية القريبة.
بعد حرب يونيو 1967 أصبحت للمضيق أهمية كبرى لإسرائيل، التي كانت تحتل سيناء المصرية، حيث كانت تمر عبره ناقلات النفط الإيرانية المتجهة إلى ميناء إيلات الإسرائيلي، والتي تمد إسرائيل باحتياجاتها النفطية، ولهذا فإن مصر قبيل دخولها معركة تحرير الأرض في أكتوبر 1973 قررت أن تغلق باب المندب أمام حركة الملاحة المتجهة إلى إسرائيل طوال الحرب ولم تفتحه إلا في يناير 1974، بعد توقيع اتفاقية فض الاشتباك الأولى وبدء الانسحاب الإسرائيلي من غرب قناة السويس.
مع اختلال موازين القوى في الشرق الأوسط نتيجة لتحولات الربيع العربي، وبروز التنظيمات الإرهابية كونها فاعلاً مؤثراً في مجريات المنطقة، وتراجع أدوار الدولة المركزية وتفكك عدد منها على رأسها سوريا والعراق واليمن.
أولت القيادة العسكرية المصرية اهتماماً أكبر بمنطقة البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن من زاويتين: الأولى، مواجهة التنظيمات الإرهابية، وبخاصة القاعدة وداعش، المتواجدة ببعض الدول العربية المشاطئة للمنطقة وبخاصة اليمن والصومال. والثانية، هي الحفاظ على اليمن حتى لا يؤثر الوضع سلبياً على أمن تلك المنطقة، ومن ثم الأمن القومي المصري خصوصاً والعربي عموماً.
تزداد أهمية باب المندب وخليج عدن ومنطقة القرن الأفريقي عموماً، بالنسبة لمصر في ظل مشكلاتها الحالية مع إثيوبيا حول بناء سد النهضة الذي يهدد جدياً المصالح المائية المصرية الحيوية في نهر النيل، وذلك بالنظر لتجاور الدول العربية الأفريقية الثلاث المشاطئة له للحدود مع إثيوبيا، وهي الصومال وإريتريا وجيبوتي.
أما أبرز ملامح ومحددات وآليات السياسة المصرية في البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن، للحفاظ على أمنها القومي الخاص والأمن القومي العربي عموماً، فيمكن تلخيصها في الآتي:
الاعتماد على تواجد عسكري متحرك لقواتها البحرية في البحر الأحمر وتلك المنطقة، وهو ما أكده إنشاء الأسطول المصري الجنوبي، مع عدم التحمس لتواجد قوات برية أو بحرية مصرية متمركزة على أراض في أي منطقة من شواطئ البحر الأحمر أو باب المندب أو خليج عدن، والاكتفاء بالقوات البحرية، إضافة إلى التنسيق مع القوى البحرية الإقليمية والدولية الموجودة في المنطقة من أجل تأمين حرية الملاحة فيها.
والدعوة لقيام حالة تنسيق منظمة كاملة بين الدول المشاطئة للبحر الأحمر ولخليج عدن، وهي كلها دول عربية على ضفتيه، يمكن أن تقوم في إطار جامعة الدول العربية، ويمكن إضافة الدول العربية غير المشاطئة ذات المصلحة مثل الإمارات والكويت، وهذا عبر مجلس التعاون الخليجي الذي تربطه علاقات استراتيجية وثيقة مع اليمن، ويتكفل هذا الكيان في حالة تأسيسه بتأمين التنسيق المتواصل مع القوى الدولية والإقليمية ذات التواجد والمصالح في المنطقة.
تشمل حالة التنسيق العربي المقترحة والمشار إليها سابقاً مهام عديدة، منها التدخل العسكري السريع لمواجهة أعمال القرصنة والإرهاب، التي تشكل تهديداً مباشراً للأمن القومي العربي، وأيضاً المشاركة في عمليات حفظ السلم والأمن في الدول الأطراف، بمنع نشوب النزاعات المسلحة أو بمساعدة هذه الدول على استعادة وبناء وتجهيز قدراتها العسكرية.