في أواخر الأسبوع الماضي، وبينما هدأت موجة الحر في أرجاء فرنسا في نهاية المطاف، تجولت بالسيارة بجوار قصر الإليزيه، مقر الرئيس الفرنسي، فيما اندفعت سيارة سوداء ضخمة باتجاه بوابة القصر. كان ذلك حين كانت السلطات المحلية تعرض على السكان المحليين أسعاراً خاصة لإجبارنا على الخروج من سياراتنا، وكان التلوث آخذاً بالازدياد، في حين وصلت درجة الحرارة إلى 40 مئوية.

وفتح موظفو القصر البوابة فخرج منها أرنولد شوارزنغر الناشط البيئي وممثل أفلام الإثارة الأميركي المعروف.

ما رأيكم ببدء تركيب بنية تحتية غربية، بما في ذلك تبريد الهواء الفرنسي- فكرة رائعة أليس كذلك؟

بإمكاني تصيد الأخطاء، تماماً كما يفعل الكثيرون على وسائل التواصل الاجتماعي، فشوارزنغر لم يستطع ضغط كل عضلاته في سيارة سمارت صغيرة الحجم. وأشعر بالسعادة أنه يشعر بالارتياح في باريس وسط هذا الحر الشديد والخانق. وحتماً لم نكن سعداء. وبدلاً من أن يلعب دور البطل الخارق في فيلم عن الصداقة، ربما كان بإمكان شوارزنغر وماكرون إصلاح جدار الجانب الآخر من القصر قبيل معالجة بقية مشكلات الجزء الآخر من العالم.

دعونا نتجاهل النقاش حول التغير المناخي، وما إذا كان من صنع الإنسان أم لا، وما إذا كان الطقس أشد حراً في هذا الصيف مقارنة عما كانت عليه الحال قبل نصف قرن. وتظهر السجلات أنه كانت هناك أيام أشد حراً قبل عقود من الزمن في فرنسا وأميركا الشمالية. والفارق هو أن التكنولوجيا الحديثة أتاحت لمجتمعاتنا التكيف مع الأحوال الجوية السيئة، بحيث إنها لم تعد ملحوظة. وما زلت أذكر كيف أنني كنت في طفولتي قبل 30 عاما أعجز عن النوم في فانكوفر بكندا عندما تبلغ درجة الحرارة 35 مئوية. ولا تزال الأجواء الحارة موجودة حينما أعود إلى كندا في الصيف، باستثناء أنه أصبح لدينا مكيفات لتبريد الهواء (أبلغوا الفرنسيين بذلك).

وفي حين أن ماكرون كان يروج للإصلاحات الكوكبية، كان الصبية في ضاحية سانت دنيس الباريسية يفتحون صنابير المياه الخاصة بالحرائق لملء البرك والشوارع بالمياه بهدف تفادي موجات الحر. وتسببت تجمعات المياه في الشوارع بفتح 600 صنبور حرائق، وتم تبديد كمية من المياه تكفي لملء 240 بركة من الحجم الأولمبي في غضون أربعة أسابيع، وهذا ما أبلغته شركة فيولا الاختصاصية بالمنشآت لصحيفة لوفيغارو الفرنسية. وحفز ذلك الشرطة الفرنسية لإصدار مذكرة خدمات عامة تتعلق بسحب صنابير مياه الحرائق ووقف التعليق القائل «ليس هذا دش استحمام».

وشجعت الحكومة الفرنسيين على استخدام وسائل النقل العام مقابل سعر خاص مخفض، وأجبر المواطنون الذين رضخوا لذلك على تحمل جحيم من الحر اللاهب. وحولت الحافلات وقطارات الأنفاق مجدداً إلى أفران مزدحمة بالناس، بدون استخدام أي مكيفات للهواء. وكان لدي تصريح ترانزيت للتجوال في أرجاء العاصمة، ولكن خلال موجة الحر اضطررت لاستخدام سيارات أوبر المكيفة.

وحتى المستشفيات تفتقر في بعض الأحيان لوسائل الراحة العصرية، وقد اكتشف صديق لي أميركي مولود في فرنسا في أوج الصيف أخيراً أن مكتب البريد المحلي وضع لافتة يعتذر فيها عن اضطراره لإغلاق أبوابه مرات عدة بسبب موجة الحر.

لذا، وفي حين ينهمك نشطاء تغيير البيئة في محاولة معرفة كيفية إدخال أموال دافعي الضرائب في خزائن الدول الأجنبية بحجة مساعدتها على التكيف مع أحوال الطقس السيئة، يتعين علينا نحن دافعي الضرائب أن نعاني بسبب البنية التحتية غير الملائمة وغير الكافية.

وليست هذه مشكلة فرنسية فحسب، كما لا تقتصر المشكلة على مكيفات تبريد الهواء. فالمحافظة على بنية تحتية ملائمة يعتبر تحدياً لمعظم العالم الغربي، ويعتبر بعض الناس أن منشآت الإسكان العامة تعتبر بحد ذاتها بنية تحتية، والحريق الذي نشب ببرج غريينفيل السكني بلندن، الذي قتل فيه 79 شخصاً في مطلع شهر يونيو، تحول إلى مأساة ضخمة بسبب سنوات من الإهمال بحسب سكانه. وفي الواقع فإن الرئيس الأميركي دونالد ترامب المدرك للبنية التحتية المتهالكة في بلاده، أعلن عن خطة لتحديثها بقيمة مليار دولار.

وقد انتقد ماكرون ترامب لانسحابه من اتفاقية باريس الخاصة بمكافحة التغير المناخي، لكن الرئيس الأميركي اختار اختصار هذا الهراء. فاتفاقية باريس تتعلق بغسل الأموال، وإرسال دولارات دافعي الضرائب من دول متقدمة إلى مؤسسة متعددة الجنسيات عبر دول متخلفة. وكل ذلك بذريعة تحديث البنية التحتية لمساعدة الدول الأكثر فقراً على التكيف مع التغير المناخي. وكل ما يفعله ترامب ببساطة هو إبقاء أموال دافعي الضرائب في أميركا واستخدامها لتعزيز البنية التحتية المحلية والقدرة على التكيف.

وسيكون ماكرون حكيماً إذا حاول جعل فرنسا عظيمة مجدداً قبل أن يحاول تطبيق جهوده على بقية كوكبنا الأرضي، وسيخدم شوارزنغر العالم بالبقاء في موطنه ودعم زميله الجمهوري الذي يحاول جعل الأولويات لمواطني بلاده بدل الاحتيال العالمي لغسل الأموال.