طالعنا مركز شورنشتاين للإعلام والسياسة والمصلحة العامة في جامعة هارفارد بدراسة حول التغطية الإعلامية لترامب في أول 100 يوم له في البيت الأبيض.

وتكمن أهمية الدراسة في صدورها عن هارفارد، التي لا تعتبر ركيزة المحافظين في أميركا. وقد كشفت أن التغطية الإعلامية خلال المئة يوم الأولى لترامب في البيت الأبيض اتسمت بالسلبية بنسبة 80 في المئة مقابل إيجابية اقتصرت على 20 في المئة فقط.

وسجلت كل من محطتي «سي إن إن» و«إن بي سي» رقماً قياسياً، حيث بلغت النبرة السلبية في تغطية أخبار ترامب معدل 93 بالمئة، مقابل سبعة بالمئة فقط من بث الأخبار الإيجابية. واحتلت محطة «سي بي إس» المرتبة الثالثة في السباق المناهض لترامب بنسبة بلغت 91 إلى تسعة. أما بالنسبة لمحطة «فوكس نيوز» المؤيدة لترامب عموماً، فقد بلغت نسبة أخبارها الترامبية السلبية 52 في المئة مقابل 48 في المئة من الأخبار الإيجابية.

ويدفع الوضع للتساؤل عن معنى الاعتدال والتوازن هنا.

وأشار طوم بيفان الشريك المؤسس لموقع «ريل كلير بوليتيكس» الاختصاصي في الدراسات والموضوعات السياسية خلال حديث صحافي أجري معه أخيراً بالقول: «أعتقد أن ترامب لقي معاملة غير عادلة إعلامياً خلال المئة يوم الأولى من عهده، سيما بإدراج كل ما يقوم به في خانة دق ناقوس الخطر على أعلى المستويات».

ويتحمل ترامب جانباً من المسؤولية إذ أنه تعمد السخرية من الإعلام، ووصف الصحافيين بأعداء الشعب ووصل إلى واشنطن على جناح سيل من التبجح، متوعداً بطرد الطاقم الموجود شر طردة. ولم يجده نفعاً إبلاغه روسيا بأن مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي السابق جيمس كومي مجرد مشروع فاشل.

ويعتبر عدد من صحافيي المؤسسة الحاكمة في واشنطن كائنات موالين للخط الرئاسي، وحراس الطبقة السياسية الحاكمة وأعضاءً في تلك الطبقة والحماة الأشداء لمقاعدهم في تلك الإمبراطورية. أما الطبقة السياسية فتنظر لترامب وللأميركيين الـ62 مليوناً الذين انتخبوه على أنهم أدوات تافهة ليس إلا.

وفي حين أن معدل سلبية التغطية الإعلامية التي نالها ترامب مذهلة، فإن الرئيسين الأميركيين السابقين بيل كلينتون وجورج بوش حظيا بتغطية سلبية موازية تقريباً خلال الأيام المئة الأولى من حكميهما وصلت إلى معدل 60-40.

أما فترة حكم الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما فحظيت بتغطية إيجابية بنسبة 60 في المئة مقابل 40 في المئة من التغطية السلبية، وفق دراسة لهارفارد كذلك.

ويعلق بيفان على الأمر بالقول: «إنه تحوّل مثير للاهتمام وفارق مهم أيضاً. أعتقد أن ذلك انعكاس لواقع يقول إن الإعلام لا ينبثق من مقصورة الصحافيين وأن هناك تشجيعاً لشخصيات محددة بعكس الأخرى».

وأشار إلى أنه باستعادة ذكرياته الخاصة بنبرة الإعلام عقب تولي أوباما الحكم، يتضح لديه ليس صورة إيجابية وحسب، بل نبرة محبة وعاطفة جيّشة أشبه بنظرة طفل إلى والديه الرائعين، أو كلب أعطاه صاحبه طعامه المفضل.

بدت وسائل الإعلام وكأنها تحتضن أحادي قرن سحري، ولم يمنح أوباما قرينة الشك وحسب، بل تسلّم جائزة نوبل على الرغم من أنه لم يفعل شيئاً ليستحقها، ووصف نقاد الحدث بأنهم مجرد أبواق للعنصرية.

وأضاف بيفان في هذا الصدد، قائلاً: «لقد خسر الإعلام الكثير من المصداقية بسبب تغطية عهد أوباما» وغيرها من الفضائح، مما دفع إلى حالة من التجاهل، توازي تحميل ترامب مسؤولية حصول مخاطر من الدرجة الثالثة، وتزيد حدة التناقضات.

والصدع العميق الواضح بين المعسكرين السياسيين، الذي يرعى الإعلام أحد طرفيه ويتجاهل الثاني تماماً، يمعن في توسيع عمق الهوة. ويتفق بيفان مع كثيرين بالقول إن الأمر لا يعود بالنفع على الصحافة ولا على البلاد، ولا يرى أن مجرى الأمور سيتبدّل في وقت قريب.