منذ عامين تحدى زعيم حزب العمال جيريمي كوربن الأرثوذكسية السياسية من خلال عدم مهاجمة المطالبين بالمنافع، الآن انحاز الرأي العام إلى موقفه.
هل نقبل بالرضوخ للرأي العام كما هو، أم نحاول تغييره؟ هذا هو السؤال الذي طالما شق اليسار في بريطانيا وولد استراتيجيتين متنافستين. هناك النهج «الوسطي» الذي يصل إلى حد الرضوخ: الناخبون حيث هم، ولا جدوى من خوض الحملة لتغيير عقولهم عندما يكون حزب العمال في المعارضة.
وكانت هناك أيضاً حجة وسطية منذ أمد بعيد بأن الناس يعتقدون بأن التقشف أمر مؤسف لكنه ضروري، بالتالي فإن المصداقية الاقتصادية تتحدد بالتوقيع على الاقتطاعات في الإنفاق. ومن جهة أخرى، هناك يسار حزب العمال الذي يرفض هذا التشاؤم.
ويشكل المسح السنوي «للمواقف الاجتماعية البريطانية» مصدراً للتحقق من صحة استراتيجية اليسار. كان أحد المعوقات أمام تقدم الحزب السياسي موقفا سلبيا تجاه المطالبين بالمنافع.
كانت هناك وجهة نظر منتشرة على نطاق واسع تقول إن المطالبين بالمنافع «متطفلون» وكانت وجهة النظر تلك تضر باليسار لأسباب عدة، وذلك بتوجيه الغضب بعيدا عن الأقوياء إلى من هم في الدرك الأسفل من المجتمع، وبتقويض الإيمان بتدخل الدولة، وبتخفيض الدعم للضمان الاجتماعي، وبزيادة المعارضة للإنفاق العام، وبرفع الضرائب باعتبار أن المال المحصل سيجري هدره على غير المستحقين.
كذلك تغيرت المواقف من الإنفاق العام، إذ يدعم الآن أقل من ثلاثة بريطانيين من أصل عشرة خفضا في الإنفاق لمساعدة الاقتصاد.
تصوروا لو أن كوربن في عام 2015، لم يصبح زعيماً لحزب العمال. كانت قد مضت أشهر على مطالبة نواب حزب العمال بالتصويت امتناعاً على مشروع قانون الرعاية الاجتماعية، وهو قرار تم تبريره على أساس أن الحزب لم يعد بإمكانه تحدي الرأي العام.
بدلاً من ذلك، حزب العمال الآن لديه قيادة دافعت بحماس من أجل قضية الاستثمار العام. وقالت إن من هم أكثر استحقاقا لغضب بريطانيا، هم المتهربون من الضرائب، والمصرفيون المتهورون وأصحاب العمل الذين يدفعون القليل، وليس المطالبين بالمنافع والمهاجرين.
لقد نقل حزب العمال النقاش من الضمان الاجتماعي إلى سلوك المصالح المكتسبة النافذة التي يدافع عنها المحافظون. وما غيّر المواقف من دون شك أيضاً، سنوات من الحملات خاضها المناضلون، كما التجربة المعاشة للناس في أكبر تضييق على الأجور منذ القرن التاسع عشر.
وكان رفض حزب العمال دعم الاقتطاعات أو تشويه سمعة المطالبين بالمنافع أمراً جريئاً، وقد عمل على تغيير العقليات.
الانتخابات الحالية هي التي منحت حزب العمال جمهوراً، ومنصة غير ملوثة نسبياً لتحديد رؤيته، ما أدى إلى تحول غير مسبوق من الدعم. وقد تردد صدى دعوة الحزب للخمسة في المئة 5 الأغنى بدفع المزيد من الضرائب، للسماح باستثمار مناسب في الخدمات العامة، لدى ملايين الناخبين.
وتماما كما تحولت مواقف عامة الناس ضد النزعة الجماعية والنزعة ضد النظام في أواخر السبعينات، يشعر المحافظون بتغيير اتجاه الرياح. نحن على الأقل، في لحظة تحول من حقبة إلى أخرى. وينهار الانضباط في حزب المحافظين المهتز بشدة، حيث تقترح شخصيات مثل اوليفر ليتوين ومايكل فالون إمكانية إنهاء التجميد.
الآن بعد أن حاز حزب العمال على ثقة متجددة، أصبح التأثير المحتمل للحزب على الرأي العام أقوى. لقد تم تعريض الناخبين إلى حجج لم يجر بثها في التيار السائد منذ عقود.
فعشية أول فوز لكوربن في زعامة حزب العمال، حذر أحد المعلقين في «الديلي التلغراف» من أن المحافظين لا ينبغي أن يهنئوا أنفسهم على فوزه، لأنه «سيصبح من المقبول مرة أخرى الدعوة إلى تأميم مساحات واسعة من الصناعة، وفرض ضرائب مرتفعة جدا. سوف ينتقل المركز الوسطي لا محالة نحو موقف مناهض أكثر للنظام».