منذ نشأة تنظيم القاعدة في تسعينيات القرن الماضي وعلاقته بإسرائيل تثير كثيراً من التساؤلات في ظل الحقيقة المعروفة أن التنظيم أو الجماعات الدائرة في فلكه والمحتذية لنموذجه في مختلف دول العالم لم تقم بأي عمليات تذكر ضد أهداف إسرائيلية بداخل الدولة العبرية أو خارجها.
فلم يوجه التنظيم أو فروعه ضربات لأهداف يهودية أو إسرائيلية حول العالم سوى عملية تفجير المعبد اليهودي في جربا في تونس بداية عام 2002 والتي أكدت المؤشرات أن من قاموا بها لم يكونوا محسوبين على التنظيم كما حاول المتحدث الرسمي باسمه الادعاء حينها، بقدر ما كانوا مجموعة تشترك معه في التوجهات العامة والأهداف.
وأتت بعد ذلك العملية المزدوجة التي وقعت في مومباسا في كينيا في نهاية العام نفسه ضد طائرة ومقر مخابراتي إسرائيليين، والتي وضح تماماً أنها تمت بتخطيط وتنفيذ تنظيم القاعدة نفسه، لتضحى العملية الوحيدة التي وجهها التنظيم لأهداف إسرائيلية أو يهودية.
وبعد تراجع تنظيم القاعدة خلال السنوات الأخيرة وظهور خلفه الأكثر دموية تنظيم داعش الذي انتحل اسم الدولة الإسلامية، بدا واضحاً أنه يسير في نفس طريق سلفه، بعدم التجرؤ على مهاجمة أي أهداف إسرائيلية أو يهودية، والتفرغ شبه الكامل لقتل وترهيب المسلمين أولاً والعرب منهم خصوصاً وبعدهم المسيحيين والمسلمين من دول الغرب الأوروبي والأميركي.
ففي سيناء المصرية، وبالرغم من أن الجماعات التي تعلن انتماءها لهذا التنظيم تمارس نشاطها الإرهابي في مساحة محدودة في أقصى الشمال الشرقي لسيناء المتاخمة للحدود مع الدولة العبرية، فلم يقم هؤلاء بأي عمليات جدية ضدها، واكتفوا مرات قليلة بقصف رمزي بقذائف تسقط في وسط الصحراء الجرداء، بينما وجهوا كل طاقتهم الإجرامية لعمليات إرهابية دموية ضد الجيش والشرطة المصريين وفئات من المدنيين أبناء المنطقة.
ولم يختلف الأمر كثيراً في سوريا ولبنان، حيث تتواجد المجموعات الإرهابية التابعة لتنظيمي القاعدة وداعش بإمكانيات عسكرية كبيرة، ولكنها لم تتجرأ يوماً على توجيه أي ضربة لأهداف إسرائيلية في مرمى نيرانها وقدراتها.
وقد ذهبت بعض تفسيرات ذلك الأمر إلى حد القول بتبعية أو باختراق المخابرات الإسرائيلية للتنظيمين أو لبعض من «الفروع» التابعة لهما أو الدائرة في فلكهما، بحيث عملت على توجيهها نحو أهداف أخرى وإبعادها عن الأهداف الإسرائيلية واليهودية في الداخل والخارج.
وربما مما يزيد من قوة هذا التفسير حقيقة أن الدولة العبرية قد مثلت في خطاب زعيم تنظيم القاعدة المقتول أسامة بن لادن وكل قياداته منذ بداية تسعينيات القرن الماضي أبرز الأعداء الذين يسعى لمواجهتهم بجانب الولايات المتحدة.
وبالرغم من هذا فقد طالت عمليات القاعدة الإرهابية كل مكان في العالم من جنوب شرق آسيا وحتى الولايات المتحدة دون أن تقترب من إسرائيل أو أي من بعثاتها الدبلوماسية حول العالم.
أما داعش، فإن غيابه التام عن مواجهة أي أهداف إسرائيلية لا يقتصر على الواقع العملي، بل يمتد إلى الوثائق التي تمثل مرجعيته الفكرية وتفسيراته الدينية المشوهة.
فالواضح من هذه الوثائق وبخاصة الرئيسية منها، هو خلوها من أي حديث جدي عن مواجهة الدولة العبرية، ولو على سبيل التنظير كما كان الحال في وثائق تنظيم القاعدة، وهي مليئة فقط بفتاوى قتل المسلمين والمسيحيين وإدارة التوحش ضدهم.
وقد توصل هذا الملاحظة لنتيجة أكثر خطورة بالنسبة لداعش مما هو بالنسبة للقاعدة، فالغياب التام لإسرائيل عن وثائق داعش وحركة المنتمين له عبر العالم، ربما يشير إلى تأثيرات وربما أصابع إسرائيلية وجهت منذ نشأة التنظيم، قاعدته الفكرية ومن بعدها هندست تحركاته العملية، بحيث تختفي الدولة العبرية من كليهما، ولا يظهر في فتاوى وأحكام تكفيره وإدارته للتوحش سوى المسلمين والمسيحيين، ولا تتوجه قذائفه وعبواته المتفجرة سوى إليهم، بينما تنعم الدولة العبرية وكل ما هو تابع لها بداخلها أو حول العالم بالأمان التام.
إن التفسير السابق ليس مجرد اتهام للتنظيمين الأكبر والأكثر دموية باسم الإسلام، زوراً وبهتاناً، بل هو أقرب للمنطق وللصحة في ضوء أفكار كل منهما وتحركه العملي، بالنسبة للقاعدة منذ عشرين عاماً، وبالنسبة لداعش وأسلافه منذ عشر سنوات على الأقل، ومن لديه تفسير آخر منطقي ومقنع فليأتنا به.