حينما صدرت في دولة الإمارات العربية مبادرة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد باعتماد عام 2017 عاماً للخير، فإن هذا الأمر مثله مثلما تم اعتماد عام 2016 عاما للقراءة فله دلالات تتخطى حدود الزمن المحدد بل وحدود المكان.
الأمر الذي يجب النظر إليه بمنظار شمولي وليجيب عن التساؤل التالي وهو: إلى أي مدى تترسخ لدى الإنسان العربي ثقافة العطاء وبلا مقابل وسلوكيات تقديم الخير للآخرين الذين يحتاجون المساعدة من أبناء البشرية؟
صحيح أنه في البلدان العربية بدأت تنتشر الجمعيات الخيرية سواء كانت مرتبطة بالحكومات أو هي عبارة عن مبادرات فردية من أهل الخير. إلا أن هذا الأمر لم يترسخ بعد ليصبح جزءاً من ثقافة الأفراد وتكوينهم النفسي واستعدادهم التلقائي لدعم الملهوف وإغاثة المحتاج.
في الغرب نجد أن مثل هذه الثقافة مترسخة لدى الناس، وفي البيت والمدرسة تبدأ تربية الأطفال على ممارستها، ونجد أن تقديم الخير يبتدئ بمبدأ أساسي وهو العمل التطوعي لخدمة من يحتاجون إلى ذلك أو لخدمة المجتمع المحلي.
ليس الخير فقط هو تقديم المال أو الجوانب المادية، إنه يبدأ من تعليم الأبناء أصغر أنواع العطاء مثل إماطة الأذى عن الطريق أو عدم إلقاء ورقة مهملة في الطريق العام، أو مساعدة عجوز أو معاق لاجتياز شارع مكتظ بمرور السيارات.
عمل الخير يؤكد تعزيز الانتماء إلى الوطن ويبرز سمو الروح الإنسانية لدى الأفراد. لذا نحن بحاجة إلى تعزيز ثقافة العمل الجماعي وتعزيز ارتباطنا بالمجال العام الذي نعيش فيه.
من يزور الجامعات والمدارس والأماكن العامة، قد يذهله أحياناً عدم إحساس الأفراد بأن هذه المجالات العامة هي مجالاتهم الخاصة أيضا، مثلها مثل بيوتهم. وهي تخدمهم كما تخدم غيرهم، ولذلك أي تخريب أو إساءة إلى الممتلكات العامة هي إساءة شخصية للأفراد أنفسهم بمقدار ما هي إساءة لمجتمعاتهم المحلية.
ومن يتابع الأرقام التي تمثل ما منحته الدول العربية وخصوصا الخليجية، وعلى رأسها الإمارات، من مساعدات للدول المحتاجة ولإغاثة المحتاجين جراء الكوارث الطبيعية والحروب سيجد أن ما قدمته من مساعدات بالنسبة لدخلها القومي يفوق أضعافاً مضاعفة ما قدمته الدول الغربية الكبرى وهذا السلوك الرسمي الذي تعمل الحكومات على ترسيخه، ليس إلا الالتزام بمفهوم الخير للصالح العام وصالح البشرية.
ويكفي أن نشير إلى مؤسسة مبادرات محمد بن راشد آل مكتوم العالمية التي تقوم بتقديم المساعدات المادية والعينية ومبادرات نشر التعليم والمعرفة والمساعدة في مكافحة الفقر والمرض، مساعداتها شملت حتى عام 2015 قرابة الأربعين مليون شخص في 99 دولة. وفي عام 2016 بلغ إنفاق المؤسسة ذاتها 1.5 مليار درهم، وبلغ عدد المستفيدين 42 مليوناً من 62 دولة.
نحن بحاجة ماسة إلى تربية حقيقية للأجيال الناشئة، تربية على مفهوم العطاء بدون انتظار مقابل، ونحن بحاجة إلى ترسيخ مفهوم العمل التطوعي لدى أبنائنا، وإلى ترسيخ مفهوم مسؤوليتنا نحو المجال العام وصيانته. ولعل لدى المدارس والجامعات مسؤولية كبرى في تحقيق ذلك بجعل العمل التطوعي جزءاً من الأنشطة المدرسية والجامعية.
وما لفت الانتباه حينما قام صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد بتوزيع الجوائز على من قدموا أعمالا متميزة في الخير، أنه تم تخصيص الجوائز لأولئك الذين قدموا مبادرات خير معتمدة على عطائهم الفردي وجهدهم الشخصي وليس لأنهم يمتلكون المال الوفير وتبرعوا فيه لفعل الخير، فهو درس لمعنى العطاء والخير.