في الكثير من الأحيان، وربما دائماً تتمنى أن يكون ما سمعته من الأصدقاء، ومن خلال الرسائل في الهاتف، أن يكون كابوساً أو حلماً ثقيلاً وتود أن تنهض بسرعة لتتأكد أن ذلك بالفعل كابوس، وتستعجل بشرب الماء وفتح عينيك للتخلص من هذا الكابوس المزعج.

للأسف الشديد إنه ليس كابوساً، بل حقيقة واقعة ومؤلمة، فقد رحل عنا ناصر جبران، هذا الأديب الكبير والقاص والشاعر ابن عجمان الذي كان ولا يزال من أولئك الذين يظلون خالدين في ذاكرة الوطن أبداً، من خلال معاصرته لما تم تأسيسه من المؤسسات الثقافية أو الاجتماعية ومشاركته داخل الدولة وخارجها في المئات من الفعاليات الأدبية باسم الثقافة الإماراتية وباسم شعراء وأدباء الإمارات والخليج العربي عموماً. لقد كان ناصر جبران منغمساً كلياً في تراث الثقافة الإماراتية والخليجية والذي لا ينضب مع مرور الزمن. فهو كالنهر الجاري الذي يجدد نفسه من خلال الطبيعة، ويتغذى بإبداعات المبدعين من أبناء الخليج.

ونحن في دولة الإمارات، إذ نودع هذه القامة الأدبية العالية، فإن اتحاد الكتاب والأدباء ومؤسسة سلطان العويس الثقافية لا ينسون أولئك الأعمدة التي قامت عليها المؤسسة سواء كان العمل تطوعياً من دون مقابل، وكان الالتزام سمة عامة لأولئك، ممن آمنوا بأهمية عمل تلك المؤسسات العامة، وكان ناصر جبران دائماً في مقدمتهم.

وكم كان ناصر مبدعاً حينما كتب رواية محطات من حياة الناس. تلك هي الحياة ذات المسار الطويل المتنوع الحالات، بكل ما فيها من الفقر والثراء والصحة والمرض والعطش والجوع والألم، إلا أنه يبقى في هذه الحياة الأصدقاء، وهم من يساند الإنسان حينما يمر بالمحن.

أدرك الآن أن رمال الإمارات وشعابها، ونسمات البحر، وشروق وغروب الشمس تشتاق إليك أيها الراحل بجسدك الباقي معنا بإبداعاتك الرائعة وذكراك الطيبة العطرة، وستظل أوراقك تتحدى الزمن وستظل سيرتك بيننا تحمل كل شيء طيب، وحتى أولئك الذين يختلفون معك مازالوا على يقين من أنك لا تحمل حقداً ولا ضغينة على أحد، لأن قلبك قلب فنان وأديب مبدع ومحب للناس والحياة.

ولن ينسى القراء مهما طال الزمن كتابك (نفحات الروح والوطن) وسوف يطلع عليها الجيل الجديد من الشباب ويدركون أن هناك مبدعين من أبناء الإمارات في العديد من المجالات الأدبية والعلمية وغيرها من مجالات المعرفة.

أقف حائراً وكذلك هذا القلم عن الاستمرار حول الكتابة عن إنسان كان الحبر يجري في عروقه أفكاراً وإبداعات وكلمات امتلك زمام مفرداتها فأبدع على الورق، وها هو القلم يضغط على أصابعي للاستمرار في التفكير بذلك الإنسان الذي وهب الحب والأمل لكل من خالطه في هذه الحياة.

كان الله في عون كل أولئك الذين يتألمون لفراقك يا ناصر جبران، ورحمة الله عليك وجنته مثواك بإذن الله.