عندما جلس الرئيس الأميركي دونالد ترامب مؤخراً إلى جانب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في باريس خلال مهرجان الاحتفال بيوم الباستيل، كان اللقاء بين رجلين لديهما أشياء مشتركة أكثر منها مختلفة.

فكلاهما منحدر من خلفية من القطاع الخاص حيث النتائج تمثل فيها الحد الأدنى. وكما وجد ترامب، فإن العمل الموجه لمنحى معين يصعب توفيقه مع فوضى النظام السياسي الديمقراطي الزاخر بالمصالح الذاتية والخاصة، وبأناس يبررون بأن أعمالهم تعوقها المشكلات المستديمة بدلا من العمل على حل هذه المشكلات.

وفي حين أن ترامب وماكرون حاول كلاهما تطبيق إصلاحات عميقة في بلديهما منذ انتخابهما، إلا أن ماكرون يبدو أفضل إنجازاً. ويعود ذلك إلى عدم تغير النظام الفرنسي الملكي القديم كثيراً. وطبقاً لذلك، تتركز في يد الرئيس الفرنسي سلطة أكبر من سلطة الرئيس الأميركي.

وعلى ضوء هذه السلطة، وصف ماكرون ما يعتقد بأن فرنسا تحتاجه في أي زعيم، ويبدو في ذلك متشابهاً كثيراً مع ترامب، أو مع نفسه حين أبلغ مجلة «تشالينج» في الخريف الماضي الكيفية التي يرى فيها الدور الذي يقوم به أي رئيس فرنسي:«فرنسا تحتاج إلى رئيس دولة من الجبابرة ويتمتع بالطموح والكاريزما والمشاعر الفياضة». في إشارة إلى إله الرومان القديم المشتري.

قبل سنتين، عندما كان ماكرون وزيراً للاقتصاد والصناعة والشؤون الرقمية في الحكومة الفرنسية السابقة، ولم يكن أحد يفكر بأنه سيكون الرئيس التالي، اقترح في مقابلة صحافية بأن فرنسا قد تعيد تنصيب ملك فرنسا مجدداً.

وقال في هذا الصدد:«دائما ما تورث الديمقراطية بصورة ناقصة لأنها ليست كافية بحد ذاتها، وفي السياسة الفرنسية فإن غياب شخصية الملك، والذي أعتقد أن الشعب لفرنسي لا يريده أن يكون في عداد الموتى، يترك فراغاً في جوهر الحياة السياسية الفرنسية».

وعلى الرغم من سلطات الرئيس الفرنسي الواسعة، فإن الذي يعوق سيره في طريق التقدم والازدهار هو الخوف من حدوث ثورة شعبية، تقودها في هذه الأيام النقابات اليسارية. ولكن بمرور الوقت، يبدو أن الفرنسيين باتوا يدركون بأن هؤلاء اليساريين لا يمتلكون أية حلول ولا يفعلون أكثر من الوقوف في وجه الإصلاحات الملقاة على كاهل السياسيين الذين يتم انتخابهم ديمقراطياً لتنفيذ تلك الإصلاحات.

وكل رئيس فرنسي انتخب في الآونة الأخيرة انصاع إلى ضغوط اليسار. وربما يحتاج الأمر إلى شخص يتخيل نفسه ملكاً لا ينصاع إلى الضغوط.

ومنذ تقلده سدة الرئاسة في مايو الماضي، وفوزه بأغلبية ساحقة في البرلمان في الشهر التالي من خلال حزب لم يكن له وجود قبل عام، انتقل ماكرون على وجه السرعة، ليصول ويجول في إجراء إصلاحات في البنية التحتية للاقتصاد الفرنسي، بما في ذلك تخفيف قيود قانون العمل الفرنسي الصارم، معلناً عن استقطاع ما قيمته 11 مليار يورو من الضرائب في العام المقبل 2018.

وليس غريباً أن يستضيف ماكرون ترامب، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي زاره في قصر فرساي بمناسبة افتتاح معرض عن الذكرى ال 300 لزيارة القيصر الروسي بطرس الأكبر لفرنسا.

وعلق بوتين على ذلك في مؤتمر صحافي عقده مع ماكرون وقال:«لا ندري مدى الاستقلال الذي كانت تتمتع به فرنسا عندما يتعلق الأمر بالمسائل الاستراتيجية، لأن هناك اتفاقيات بين الحلفاء ونحن غير مطلعين على هذا الأمر».

لقد افتقرت فرنسا إلى الاستقلال في السنوات الأخيرة بصورة صارخة. وخلال عهد الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، وضعت فرنسا ومعظم زعامة العالم الغربي نفسها رهن إشارة واشنطن.

ولطالما خدم العالم متعدد الأقطاب، من خلال موازنة الدول نفسها مع الدول الأخرى، مصالح مواطنيه على امتداد العالم. وموقف ماكرون، إذا كان بإمكانه التمسك به، مشابه لموقف الرئيس الفرنسي الأسبق شارل ديغول، الذي أصاب المجمع العسكري والصناعي الأميركي بالجنون من خلال اتخاذه مواقف مستقلة لم تكن تصب دائما في صالح الأجندة الأميركية.

وبالنسبة لي، فأنا استمتع بمشاهدة الانصهار الجماعي لليساريين والنخب المهيمنة إذا وجد كل من الرئيس الأميركي والروسي والفرنسي أنفسهم في الوجهة ذاتها.

*كاتبة كندية