مع إطلالة خيوط الشمس في الصباح الباكر، لابد من احتساء القهوة ومرفقات ذلك، أنظر إلى تلك الصورة لإنسان مبتسم يجعلك محباً للحياة، بينما العبوس لا ينفع بقدر ما ينفر الجميع من حولك، حين ذاك أتذكر الأيام التي جعلتها عطاء من دون الانتظار حتى لكلمة شكر؟
يبدو أن تراب الوطن اشتاق إليك لتكون جزءاً منه وتعود إليه بعد طول سفر ورحلات حول مدن العالم المختلفة من بريطانيا إلى غيرها من تلك الدول، فارس القلم غانم غباش، ذلك الإنسان الذي رحل بعيداً عن الآخرين. أما والدته فلم يتم الحديث عن عدم عودة الابن إلى أحضانها.
فقد سافر وهي تعلم أنه محب للسفر لذلك رحلت إليه فيما بعد، بالأمس مع ابني غانم محمد المطوع ذهبنا إلى تلك الأمسية التي جمعت معظم أصدقاء الراحل غانم غباش في محاولة أن يتحدث كل منهم عن ذلك الإنسان الذي لم يرحل عن ذاكرتهم منذ أكثر من عقدين من الزمن.
وتذكرت كم الأوراق العديدة التي بخط يده موجودة عندي في المكتبة بالمنزل لم أستطع أن أكبت شعور الفرح والحزن معاً، ولم تخرج الدموع من العين، بل تنهدت من دون صوت أيضاً، تذكرت الصديق شوقي رافع وهو بجانبي على المنصة، وهو الذي ساهم في إصدار (مجلة الأزمنة العربية) تلك التي تحمل هموم الوطن وطموحات أبنائه من الجنسين من مختلف فئات العمر، وحتى أولئك الأطفال.
كانت المزرعة التي في العوير مفتوحة الأبواب للجميع من كل الجنسيات، ونتذكر ذلك الإنسان الرائع (بحر) وهو يقدم خدماته للجميع مبتسماً، وكأنه يحاول أن يكون في سلوكه مثل غانم غباش.
كان من الملاحظ أن خصوصية الحياة لم تكن جزءاً من تفكير أبو مروان وسماح تلك التي اشتاقت له، وبعد مرور أشهر على رحيله، لم تحتمل فراقه ورحلت إليه بالجسد وكأنها لا تطيق الحياة من بعده.
في تلك الأمسية في الرواق، وددت أن تنزل الدموع بعد أن حبستها كل تلك الفترة ولكن لم يحدث ذلك، وهو بحد ذاته قمع للذات.
إن من ينشر الأمل وحب الحياة يظل حتى بعد زوال الجسد، لقد كانت مجلة «الأزمنة العربية» بمثابة الزهرة التي تخرج الأكسجين لجميع الأصدقاء في كل بقعة من الوطن العربي وغيره.
كانت ولا تزال الإمارات هي التي تفتح أبوابها لكل الإبداع الفني من موسيقى إلى شعر إلى ندوات، إلى العديد من المهرجانات التي يبدع بها أبناء الوطن من شماله إلى جنوبه، ومن شرقه إلى غربه، وكان أبناء الخليج يحملون حقائبهم نحو الإمارات بشكل عام وإلى دبي لؤلؤة الخليج، وكان التواصل واختفاء الحواجز هي سمة أبناء المدن في الإمارات، وحقق الاتحاد بين إماراتها إنجازات عملاقة.
وما زالت المسيرة مستمرة بقيادة حكيمة تعشق الوطن والشعب، كانت القيادة السياسية وما زالت حتى الآن متلاحمة ومدركة أن الاتحاد هو سفينة النجاة في هذا العالم المتلاطم الأمواج، وكان الراحل غانم غباش رمزاً من رموز الفكر والأدب في هذه الدولة الفتية.
لقد كانت أمسية هادئة ومثمرة جمعت كل الاتجاهات الفكرية الحديثة والقديمة، ومازال ذلك الراحل الرائع في القلب والعقل معاً.