في 15 يوليو 2015 م، أسهمت القوات السعودية والإماراتية، مع المقاومة الجنوبية، بتحرير العاصمة عدن، وكان حدثاً مهماً لوقف التمدد الإيراني في المنطقة بشكل عام، وفي اليمن تحديداً.

وبعد أن مضى على تحرير عدن أكثر من عامين، عادت إيران إلى عدن مُجدداً، حاملة طموحها الكبير بالسيطرة على الكتلة اليمنية كاملة، فالمشروع الإيراني يحمل عُمقاً ينظر إلى اليمن من الزاوية الجيوسياسية، مما يجب التعامل معه من قبل المشروع العربي المضاد.

تبحث إيران على إحكام القبضة على اليمن بنطاقه الجغرافي، لمسببات رئيسة، تنطلق من مفهوم إيران في رغبتها تهديد أمن واستقرار المملكة العربية السعودية، فالشريط الحدودي بين السعودية واليمن، يمتد مسافة (2000 كلم)، وهي أطول مسافة حدودية للسعودية مع جوارها، كما أن الإيرانيين ينظرون إلى اليمن من زاوية سواحله البحرية (البحر العربي، خليج عدن، البحر الأحمر).

وهي سواحل متصلة بمسافة (2500 كلم)، مفتوحة على المحيط الهندي مباشرة، كما أن إيران تنظر إلى اليمن من واقع أن الكثافة السكانية في الشمال وميناء عدن في الوسط والثروة النفطية والغازية في حضرموت، مما تستطيع إيران استثماره في ناحية استنزاف السعودية عبر الشريط الحدودي والاستثمار في الشريط الساحلي عسكرياً واستراتيجياً، على غرار ما فعله الاتحاد السوفييتي سابقاً في الحرب الباردة.

جانب لا بد أن يؤخذ في عين الاعتبار، حول ما تراه إيران من أهمية الإبقاء على الوحدة السياسية اليمنية شكلاً واحداً، يتمثل في أن اليمن يقع على واحد من أهم الممرات العالمية لـ (درب الحرير)، وهو المشروع الذي دشنته الصين، والذي من خلاله ينتظر صعود الاقتصاد الصيني إلى المرتبة الأولى في العالم، وهذا يقتضي من الرؤية الإيرانية، أن السيطرة على باب المندب مع مضيق هرمز، يمنح إيران تأثيراً في الاقتصاد العالمي، ويوفر إيرادات مالية هائلة للإيرانيين، عبر نفوذهم على الجمهورية اليمنية.

تنبهت إيران مُبكراً للحالة اليمنية، فظهرت من خلال أنصار الله في الشمال، كما ظهرت في الجنوب، بعد أن ظهر الحراك الجنوبي في 2007 م، فلقد فتحت للجنوبيين فرصة الظهور من خلال لبنان في 2010 م، ظهرت قيادات جنوبية مختلفة في بيروت، وأطلقت قناة فضائية منها، لم تنجح إيران في تمرير مشروعها عبر القيادة التاريخية الجنوبية، والممثلة في علي سالم البيض.

فلقد كان منتبهاً للمقصد الإيراني، في أن إيران كانت تريد الاستثمار في القضية الجنوبية، ما أدى إلى رفضه الصفقة المشبوهة، وانحيازه للمشروع العربي، الذي كان قد أعلن مع إطلاق السعودية عملية «عاصفة الحزم».

حصل في الجنوب فرز، بحكم الواقع الذي أحدثه غزو مليشيات الحوثي لمدينة عدن، اختارت قيادات جنوبية (البيض والجفري والعطاس)، قراراً بالانحياز للسعودية والإمارات، وتم توجيه كافة الطاقات المملوكة لدى الحراك الجنوبي في معركة السهم الذهبي، التي قادتها القوات الإماراتية المسلحة مع المقاومة الجنوبية، والتي اعتبرت معركة تصنف في التاريخ القومي العربي، على اعتبار ما تحمله عدن من رمزية في مواجهة المشروع الإيراني في اليمن.

بعد جلاء الحوثيين عن عدن، خاضت المدينة معركة أخرى مع جيوب جماعة الإخوان المسلمين، عبر أذرعهم، سواء كانوا أنصار الشريعة، أو تنظيم القاعدة أو داعش، في هذا الإطار، أسس التحالف العربي منظومة أمنية لمكافحة الإرهاب (الحزام الأمني والنخبة الحضرمية)، كانت النواة، ثم جاءت الشبوانية والمهرية.

وأوكلت مهام مطاردة الجماعات الإرهابية لهذه التشكيلات، بشكل عام، باتت عدن والمحافظات الجنوبية محررة من الحوثيين، ودخلت في تصادم مع إخوان اليمن، الذين استعادوا جزءاً من حضورهم، بعد قطع العلاقات العربية مع دولة قطر في يونيو 2017 م.

حاولت قطر، عبر جناح توكل كرمان في تركيا، الترويج لفكرة السجون السرية في عدن والمُكلا، ولكنها فشلت، فلم تجد سوى العودة إلى الأسلوب التقليدي لإخوان اليمن، بالتلويح بورقة انفصال الجنوب.

ولكن هذه المرة أخرجوا من جرابهم فادي باعوم، كورقة ألقيت على عدن، في مراهنة على تغيير التوازنات الجنوبية، ومن المعلوم أن فادي باعوم، استقر في الضاحية الجنوبية بالعاصمة اللبنانية بيروت، ويتعاطى مع الإيرانيين والقطريين، كمصدر تمويل، يهدف إلى خلق فوضى في المحافظات الجنوبية المحررة.

القضية الجنوبية ليست مجرد ورقة قابلة للتلاعب بها في التوازنات الإقليمية، بمقدار أن هذه القضية تحتمل التزاماً قدمه أبناء الجنوب العربي، عندما قدموا دماءهم إلى جانب دماء أشقائهم السعوديين والإماراتيين للدفاع عن كرامة العرب وشرفهم، على ترابهم العربي في عدن، هذا الجزء، هو الذي يتم استحضاره مع مشاريع إيران الممولة من قطر، والتي من الواجب التعامل معها بكل ما في العزم من حزم.