«أمركة» أوروبا تسير على قدم وساق. يبدو هناك إشكالية في هذا الكلام، فقد ظهرت فجوات عدة عبر الأطلسي في عهد الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي كان ينفر كثيرا من الأوروبيين بطرق لم يسبق لها مثيل.

ويسعى العديد في القارة العجوز إلى طلب العزاء، في المقابل، في القول: قد تكون ربما ساعة أوروبا في الأفق، لكن من المدهش كيف أن السجالات الأوروبية على قضايا مثل العنصرية والدفاع عن المرأة متأثرة بشدة بالتحركات عبر الأطلسي. في مجال الأفكار والحملات على قضايا متنوعة، فإن أوروبا والولايات المتحدة تقتربان لا تبتعدان.

وقد قدم هذا الشهر لحظة رائعة عن مشاركة لهذه الأفكار عبر الأطلسي، إذ تكشف حدثان في وقت واحد تقريبا. في حفل غولدن غلوب في كاليفورنيا، احتلت حركة «#أنا أيضا» مركز الصدارة، حيث شاهد العديد من الأوروبيين باندهاش ما يجري. وفي الوقت نفسه في فرنسا، نشرت الممثلة كاثرين دونوف و100 من النساء الفرنسيات مقالاً ينأى بهن عما رأيناه مبالغة وإفراطاً في تلك الحركة نفسها.

وقد تلقت المقالة الكثير من الاهتمام، الذي الكثير منه كان نقدياً. بالتأكيد، كانت شهرة دونوف سبباً في ذلك. وقد أشارت إلى جانب أخريات إلى صعوبة رسم خط واضح بين ما أسمته «التحبب والغزل» الذي يجري إظهاره للنساء، او الإغواء بإصرار من قبل الرجال وإساءة المعاملة، وحذرن من «نزعة التطهر».

وما غاب في كل هذا الغضب هو أن الرسالة تلقت الكثير من التصدي والرفض في فرنسا نفسها. وبالمثل، بالكاد يمكن القول إن هناك إجماعاً مطلقاً في الولايات المتحدة على حركة «#أنا أيضاً»، حتى بين أصحاب التفكير الليبرالي. ونشرت صحيفة نيويورك تايمز مقالة أخيراً بخط الروائي الأميركي دافني مركن عنوانها: «في العلن نقول أنا أيضا. وفي السر، لدينا مخاوف»، أثار فيها حججاً شبيهة بتلك التي أثارتها دونوف.

بطبيعة الحال، يعود التأثير الثقافي الأميركي في أوروبا إلى فترة ماضية، وقد نما في فترة ما بعد عام 1945. وبحلول 2005، وجد المؤرخ توني جود اختلافات هامة بين أوروبا وأميركا اعتقد أنها إشارات إلى صدع متزايد، وكتب في كتابه بعنوان «ما بعد الحرب»: «أصبحت القيم غير الأميركية المفترضة في أوروبا العامل المشترك الأكبر في تحديد الذات الأوروبية».

فالحيرة الأوروبية في ولع أميركا بالأسلحة، والرعب، وعقوبة الإعدام، ومعارضة حرب العراق، كما دعم «النموذج الاجتماعي» الأوروبي حيث تتولى الدولة مسؤولية حماية المواطنين، كانت كلها أعراض للفجوة المتصورة في القيم.

ومع صعود ترامب، كان هناك سجال متزايد في ألمانيا كما في فرنسا بشأن ما إذا يمكن التشكيك بالرباط عبر الأطلسي. وعلى الرغم من أن هذا الأمر يتعلق، في المعظم، بصناع السياسة الخارجية، فان السؤال يمكن أيضاً أن يُطرح بشكل أوسع نطاقاً، حول قضايا اجتماعية مثل التنوع، والعلاقة بين الدولة والدين، والمساواة بين الجنسين وحرية التعبير.

الأمر الملفت أنه على مستوى القاعدة الجماهيرية، فإن العديد من الشباب الناشطين في أوروبا يتلقون أوامرهم من التقدميين الأميركيين. وكان هذا الأمر ظاهراً عندما وجدت حركة «حياة السود تهم» صدى على الجانب الأوروبي من الأطلسي، وعندما وجدت الناشطة الفرنسية المناهضة للعنصرية روخايا ديالو نفسها أخيرا وسط شجار لأنها تحدثت عن «عنصرية الدولة» في فرنسا.

بعد خمس سنوات، قد تكون هناك بعض أوجه التشابه مع ما حدث مع جيل عام 1968: فمعارضة حرب فيتنام في حرم الجامعات الأميركية وجدت أصداء في انتفاضة مايو في باريس.

وفي الوقت الذي تواجه الدولتان الديمقراطيتان على جانبي الأطلسي نوعا جديدا من النزعة المحافظة المتطرفة والشعبوية، فإن الشعارات يجري تردادها عبر الأطلسي بسرعة الضوء، وتعبر الأفكار والتفكير الجديد الحدود الجغرافية أسرع من أي وقت مضى.

ولا تزال العولمة إلى حد بعيد «مأمركة» بهذا المعنى، ويمكن القول إن أوروبا تبقى المقصد الأول لما يتدفق من الولايات المتحدة، الجيد منه والسيئ. المفهوم الجيوسياسي لـ «الغرب» قد يضمحل، لكن بطرق عدة فإن العالم الأوروبي والأميركي لم يكن أكثر ترابطاً.

مجدداً، هذا لا يعني إنكار وجود اختلافات عبر الأطلسي. فأنصار المرأة من الأميركيين منذ الستينات كانوا مختلفين بالتأكيد عن أنصارها الفرنسيين، الذين وصفوا غالباً بأنهم أقل جذرية.

العنصرية في الولايات المتحدة لديها تاريخ مختلف عن العنصرية في أوروبا، لكننا بحاجة أن نحذر اللجوء للتبسيط.

ويمكن القول إن أوروبا اليوم أكثر تعقيداً، وتحت مزيد من الضغوط مما كانت عليه أيام جيل 1968. لكن هذا لا يفعل شيئاً لوقف السجالات الأميركية من الوصول إلى شواطئها.

لقد وجدت الهوية المسيحية والقومية في بولندا وأماكن أخرى دعامة في ترامب واليمين المتطرف الأميركي. وبالمثل، تشكل المقاومة الأميركية ضد كراهية الأجانب وناكري التغير المناخي أو التجارة العالمية غير العادلة كالهام للناشطين في أوروبا، الذين يقلدون وسائلها ولغتها.

تلك الصراعات تتحدث إلى أشخاص في أماكن أخرى في العالم.

* كاتبة في صحيفة غارديان البريطانية