في نهاية نوفمبر الماضي، وفي الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، طلب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي من القوات المسلحة المصرية إنهاء أي تواجد للإرهاب في سيناء خلال ثلاثة شهور.
لم تكن هذه الخطوة قادمة من فراغ، وإنما من تقدير للموقف، وحساب المخاطر التي ينبغي على مصر مواجهتها. كان جيش مصر قد حقق بالفعل خلال الفترة الماضية نجاحاً كبيراً في المواجهة مع الإرهاب، ورغم أن مصر قد بدأت حربها على الإرهاب في ظروف بالغة الدقة، فقد أنجز جيشها الكثير في معركة كان عليه أن يخوضها، بينما عصابات الإخوان تحاول إثارة المتاعب في كل الجبهات والدعم الخارجي مستمر لكي تواصل إجرامها في حق الوطن، والحصار الذي حاول «عقاب» مصر لأنها أسقطت الفاشية في 30 يونيو يحرم جيشها من معدات أساسية يحتاجها في حربه ضد الإرهاب.
ورغم ذلك نجح جيش مصر في توجيه ضربات أساسية لعصابات الإرهاب، وفي تقليص حجم عملياتها، ولولا الحرص على أرواح المدنيين الأبرياء من المواطنين المصريين في سيناء لكانت المهمة قد أكملت منذ زمن. خاصة بعد أن عبرت مصر الفترة الصعبة، وبعد أن تم توفير كل ما يحتاجه جيشها من أحدث الأسلحة المطلوبة للمواجهة، وبعد أن تعلمت دول العالم الدرس، وأدركت أن الإرهاب خطر على الجميع، وأن مواجهته لابد أن تكون مهمة دول العالم جميعاً.
ومع ذلك فقد حملت الشهور الأخيرة من العام الماضي تطورات مهمة في حرب مصر على الإرهاب، وكان حادث مسجد «الروضة» في سيناء، وعملية الواحات وما تبعها من عمليات في الجبهة الغربية القريبة من الحدود مع ليبيا، وغيرها من العمليات التي قامت بها العصابات الإرهابية في هذه الفترة.. تؤكد أن هناك تغيراً نوعياً في طبيعة هذه العمليات، وأن خبرات جديدة من الإرهاب قد دخلت الساحة. وأن خطر انتقال الكوادر الإرهابية من ساحة الحرب في العراق وسوريا إلى مناطق أخرى يظهر واضحاً، وأن هناك من القوى الخارجية من يدعم محاولة هذه العصابات أن تجد مكاناً لها في مصر أو فيما حولها من دول الجوار في شمال إفريقيا.
كانت قراءة المشهد تؤكد على ضرورة استباق ما يتم التخطيط له ضد مصر بضرب ما تبقى من قواعد الإرهاب. ومن هنا كان القرار الذي أراد الرئيس السيسي من إطلاقه علناً بالإعلان عن ضرورة تطهير سيناء من الإرهاب خلال ثلاثة شهور، أن يكون رسالة للجميع بأن مصر تعي المخاطر، وأنها جاهزة لمواجهتها!!
ولا شك أن الرسالة قد وصلت إلى الأطراف المعنية وكان الغريب أن نرى بعض من يدعون الحرب ضد الإرهاب وهم يمدون يد العون لعصابات الإرهاب التي تستهدف مصر وأمنها واستقرارها. سواء بافتعال معارك وهمية مع مصر، أو بممارسة الضغوط عليها، ثم كان الأغرب أن يكون جيش مصر الذي أنقذ البلاد والمنطقة من شرور الإخوان وحلفائهم، والذي قاد الحرب ضد الإرهاب. هو محور الحملات على مصر خلال الفترة الماضية!!
وفي هذا الإطار رأينا من يسوءه أن يقوى جيش مصر وأن يمتلك أحدث الأسلحة وأن ينوع مصادرها ويضاعف قدراتها. وجاء الرد مع التطورات الأخيرة التي أثبتت أن أفضل ما فعلته مصر في هذا المجال أنها امتلكت القوة اللازمة لحماية حقول الغاز والبترول في البحر المتوسط من أي تهديد، ولحماية باب المندب والبحر الأحمر ومداخل قناة السويس من أي أوهام مخبولة تستهدف مصر وأمنها!
وفي هذا الإطار أيضا. كانت الأحاديث التي باتت مملة في الكونجرس الأميركي حول خفض المعونة التي تعرف واشنطن ـ بل غيرها ـ أنها تفيدها أكثر مما تفيد مصر، وأنها ـ من حيث القيمة ـ لا تمثل شيئاً كبيراً، لكنها تحافظ على علاقة تعرف واشنطن أهميتها وتدرك عواقب خسارتها إذا حدثت!!
وفي هذا الإطار كانت الحملات العدائية في الصحف الأميركية، والتي توجت أخيرًا بالتقرير الذي نشرته وكالة «بلومبرج» الإخبارية قبل أيام، والذي اختلطت فيه الأكاذيب بالأوهام، وهو يستهدف جيش مصر، ويتحدث عن انقسام مزعوم بين صفوفه(!!) ليصل إلى الهدف الذي لا يغيب عن عيون من يستهدفون مصر والعرب أبداً. وهو منح قبلة الحياة مرة أخرى لجماعة الإخوان بكل تاريخها الإرهابي وحاضرها التآمري، بالزعم بأن النظام في مصر يسير على طريق المصالحة مع الجماعة الإرهابية، وأن التاريخ يقول إن أي انقسام أو صراع في السلطة بمصر يقود إلى الاستعانة بالإخوان!
مجموعة من الأكاذيب تختلط بالأوهام التي لا تعرف شيئاً عن مصر وجيشها الوطني الذي لا يعرف يوماً إلا الولاء للوطن، ولم يكن يوماً إلا حارساً للشرعية ومتفرغاً لأداء مهمته في الحفاظ على أمن مصر والدفاع عن أرضها التي روتها دماء آلاف الشهداء.
ولا يدرك من روجوا الأكاذيب عن جيش مصر العظيم، أو من يتمسكون بوهم المصالحة مع الإخوان أنهم يحرثون في البحر، وأن الخطأ التاريخي الذي ارتكبه السادات حين تحالف مع الإخوان وأعاد لهم الحياة لا يمكن أن يتكرر، بعد أن دفعت مصر ـ وما زالت ـ ثمن هذا الخطأ غالياً.
ولا يفهم هؤلاء أن معركة الإخوان ليست مع حاكم أو نظام، وإنما هي مع شعب مصر الذي اكتوى بنيران الكراهية ورصاصات الغدر وأفكار الإرهاب التي جاءت بها هذه الجماعة واستمرت عليها تسعين عاماً. تقتل وتدمر وتنشر الفتنة وتخون الحركة الوطنية في كل العصور، لا شعب مصر سينسى، ولا جيش مصر سيقف إلا داعماً لإرادة الشعب وحرساً للوطن الذي لا يعرف الإخوان له معنى أو قيمة!
مع فجر التاسع من فبراير كان جيش مصر يرسل الرد على كل الأكاذيب ويكشف زيف كل الحملات العدائية، كان جيش مصر يبدأ العملية العسكرية الشاملة (سيناء 2018) لضرب كل بؤر الإرهاب الإخواني ـ الداعشي من سيناء وحتى الحدود الغربية مع ليبيا. وكانت مصر كلها تقف وراء جيشها، وهو يؤدي مهمته المقدسة في تطهير أرض الوطن من دنس الإرهاب.
حمى الله مصر، ونصر جيشها الوطني وهو يكتب نهاية الإرهاب الأسود، على أرض لم تكن يوماً إلا واحة السلام وصانعة الحضارة والقلعة الحصينة ضد أعداء العروبة والإسلام.