حرص الدكتور مشعل السلمي رئيس البرلمان العربي، على وصف الوثيقة التي صدرت عن المؤتمر الثالث للبرلمان العربي ورؤساء المجالس والبرلمانات العربية قبل أيام قليلة، بأنها وثيقة عربية شاملة لمكافحة الإرهاب، وفق مقاربة جديدة ورؤية شاملة ومعمقة، تستهدف معالجة جذور المشكلة، ولا شك في أنه قد حالفه الصواب في هذا الوصف الدقيق للوثيقة الشاملة، المقرر عرضها على القمة العربية المقبلة في الرياض، لإقرارها بشكل نهائي من قبل الزعماء والقادة العرب.

جاءت الدراسة بالفعل، أقرب ما تكون إلى الدراسة الأكاديمية الشاملة، التي خاضت وتجولت في مختلف العناصر المهمة بالمرتبطة بالظاهرة الإرهابية وجذورها السياسية والاقتصادية والفكرية والمجتمعية والعالمية،

ولا يقلل من شأن الوثيقة على الإطلاق، صدورها من جهة برلمانية، فتحمل شكل التوصيات أو القرارات غير الملزمة، إلا أن رفعها للقمة العربية المقبلة لإقرارها في شكلها النهائي، يمنحها أهمية خاصة، علاوة على شمولها الواضح، الذي يجعل منها وثيقة مهمة، يمكن أن تجد طريقها نحو الدول والحكومات والمؤسسات السياسية العربية على مختلف أشكالها وتوجهاتها، وكذلك تطرق أبواب الجامعات والأكاديميات ومراكز البحوث العربية، وأيضاً العالمية، للعمل بها بشكل كلي أو جزئي، بما يحقق أهدافاً تتفق وتوجهات ومطالبات الوثيقة ذاتها.

وقد أكدت الوثيقة في مواضع عدة، أوجاع الأمة العربية، التي يعد كثير منها أو بعضها، سبباً في بروز الظاهرة الإرهابية وتضخمها، ولها أهمية خاصة، تلك المتداخلة مع تدخلات أجنبية أو إقليمية، كالعنصر الإسرائيلي الهاضم للحقوق الفلسطينية المشروعة، وغياب العدالة الدولية، وتعدد المعايير، خاصة عند التعامل مع القضايا العربية العادلة، ومن ثم، فمن الضروري أن يصل الصوت العربي بمنتهى القوة، للتأكيد على هذه الجزئية المهمة، عند الحديث عن أسباب تفشي الإرهاب ووسائل وآليات مجابهته، وحتى إذا كانت هذه الحقيقة معلومة للقاصي والداني منذ زمن بعيد، إلا أن صدورها في وثيقة عربية شاملة بهذا التصور العلمي.

ويبقى التأكيد على أن الوثيقة قدمت بجهد رائع، مقاربات فكرية ونظرية لمكافحة الإرهاب، بعوامل وبرامج شتى، ويبقى المهم الآن، أن تتحول هذه الوثيقة من الحالة النظرية إلى إمكانية تنفيذها على أرض الواقع، ولن يكتب لهذه الوثيقة التوفيق التام، إلا إذا تحولت بالفعل إلى برنامج أو بيان سياسي محكم ومحدد المعالم والخطوات والمطالب، يصدر عن القمة المقبلة، حبذا لو اقترن ذلك بطرح مفاهيم واضحة لمحددات وقواعد منظومة الأمن القومي العربي، في ما يتعلق بالتعامل مع الشؤون الداخلية والمخاطر المشتركة والتدخلات الأجنبية والإقليمية.

وأغلب الظن، أن الغياب الواضح والصريح لمثل هذه المحددات، يضعف إلى حد كبير من عوامل وآليات تحقيق الأهداف العربية المشتركة، وعلى رأسها عمليات وجهود مكافحة الإرهاب.. فعلى سبيل المثال، شددت الوثيقة على حق السيادة للدول العربية ووحدة أراضيها، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، خط الدفاع الأول لمكافحة الإرهاب والتنظيمات الإرهابية، وأن مكافحة الإرهاب والتطرف، مطلب شعبي، يفرضه الأمن القومي العربي، الهادف إلى توفير الأمن والاستقرار للمواطن العربي، وأكدت الوثيقة على حق الدول العربية في التصدي لأي اعتداء على مجتمعاتها ومواطنيها، وعلى مؤسسات الدولة وأجهزتها، واتخاذ جميع الإجراءات والتدابير كافة، التي تحول دون تعرضها لأي تهديدات واعتداءات تشكل خطراً على السلم الاجتماعي والقومي، وضمان الحفاظ على سيادتها وترابها الوطني.

وتلك مبادئ رائعة، وردت ضمن متن الوثيقة، وحتى يكتب لها النجاح مع غيرها من المبادئ المهمة الأخرى، التي قد تثير وجهات نظر واجتهادات جدلية، يبقى الأهم من الوثيقة ذاتها، التوصل إلى إجماع عربي عليها، وآليات عملية، ومثلما سبقت الإشارة، صياغة مفاهيم واضحة لمنظومة الأمن القومي العربي، ولها أهمية كبرى، لضمان إنفاذ مبادئ ونصوص وثيقة البرلمان العربي لمجابهة الإرهاب، بعد هذا المجهود الضخم الذي بذل في إعدادها وإصدارها، في مواجهة سرطان خطير، يهدد كيان الأمة في كل ربوعها.