تزامناً مع الثورة الاقتصادية الرابعة التي قامت على المعرفة، كانت هناك العديد من التطورات المثيرة في مجال علوم المواد، لعل أبرزها إثارة وحماساً مادة الجرافين، وهذه المادة هي الكربون النقي في شكل ورقة واحدة أو ذرة سميكة، وتقدر قوته بما يعادل الفولاذ بـ 200 مرة، وله مرونة المطاط، ويقوم بتوصيل الحرارة والكهرباء بشكل فعال للغاية، وعلاوة على ذلك، لأنه ليس سوى ذرة سميكة، فإنه تقريباً ثنائي الأبعاد، ينغمس مع العديد من المواد المثيرة للاهتمام ذات الصلة بالضوء «الطاقة»، والماء.

وجدت الجرافين نظرياً في عام 1962، عندما وصفها الكيميائي هانز بيتر بوم في ورقة نشرت في مجلة الكيمياء غير العضوية والكيمياء العامة، ولكن في عام 2003، بدأ الفيزيائي الروسي أندريه جيم في إنتاجها، وفي عام 2004، نشر جيم وزميله الباحث كوستانتين نوفوسيلوف ورقة أكاديمية عن الاكتشاف، والتي أصبحت منذ ذلك الحين واحدة من الأوراق الأكثر استشهاداً على نطاق واسع في مجال الفيزياء، ولهذا الإنجاز حصل جيم ونوفوسيلوف على جائزة نوبل في الفيزياء في عام 2010.

وبالحديث عن مستقبل مادة الجرافين يمكن القول إنها تدخل في صناعة جملة من التطبيقات ومستقبلها مرهون بها، وكما يبدو من حماس الشركات والأكاديميات والباحثين فإن تطبيقات الجرافين الحالية والمحتملة مذهلة، ويمكن أن تحدث ثورة في العديد من المنتجات والأسواق والحقول، وتشمل هذه التطبيقات الأدوية من خلال تطوير أجهزة الاستشعار الكهربائية الحيوية وأجهزة التصوير الحيوي، والمطهرات القوية والأكثر فعالية، وتسلسل الحمض النووي، كما يجري استكشاف الغرسات الاصطناعية، التي من شأنها أن تكون مرتبطة مباشرة بالنظام العصبي وتسخير خصائص موصل الجرافين، كما يمكن أن تستخدم أيضاً لإنتاج أكثر فعالية للمعدات الجراحية للعمود الفقري، وفي مجال الحوسبة يمكن استخدام الجرافين للتحسين جذرياً في معالجة قوة رقائق الكمبيوتر، وقد أعلنت شركة آي بي إم في يناير من عام 2014، أنها قد صنعت رقاقة الجرافين التي هي أسرع بمعدل 10،000 مرة من الرقائق القياسية، وفي عالم الإلكترونيات يمكن وصف إمكانات الجرافين بالشفافة والمرنة إلى حد يسمح لها بأن تحل محل السيليكون في الدوائر الكهربائية المشتركة وهذه القدرة تسمح لها بتحويل المسار تماماً في مجال الإلكترونيات، وقد كان العلماء يجربون بطاريات الشحن السريع، وسماعات الرأس عالية الجودة، والإلكترونيات المرنة، وأجهزة استشعار الصور الأكثر قدرة، وشاشات اللمس التي لا يمكن اختراقها تقريباً، كما يمكن القول بأن دمج الجرافين في مجال الإلكترونيات الضوئية سيؤدي إلى تطوير في نهاية المطاف للورق الإلكتروني القابل للتحديث، وصولاً إلى اكتشافات علمية جديدة مذهلة.

وفي مجال تنقية المياه يعد الجرافين من مرشحات المياه التي لا يضاهيها عملياً أي شيء آخر، بل هي ربما الأكثر فعالية من مواد ترشيح المياه المتوفرة وتؤكد إحدى شركات ترشيح المياه أنها ستخفض تكاليف الطاقة لمحطات تحلية المياه بنسبة 99٪.

وفي مجال مواد منع تسرب المياه يمكن القول إنه وبنفس القدرة التي يمتلكها الجرافين في ترشيح المياه له قدرة تجارية هائلة في المواد التي يمكن أن تؤدي عملها في الماء سواء في الإلكترونيات أو المباني وشركة نوكيا تعمل على تطوير الهاتف الذكي مع مادة الجرافين التي تجعله يعمل في المياه.

وفي مجال تخزين الطاقة يمكن القول بإن للجرافين قدرة على توصيل الحرارة والكهرباء بشكل فعال للغاية وتطوير بطاريات الشحن بشكل أقل حجماً وأكثر اتساعاً كبطاريات الهواتف الذكية والكمبيوترات المحمولة.

وكذلك هو الحال في تطبيق آخر هو في إنتاج الخلايا الضوئية بشكل أكثر كفاءة، إذ يمكن استخدامها في الملابس لتوليد الطاقة أثناء ارتدائها من خلال الطاقة الشمسية في الدول النامية وللجيش أيضاً لتوليد الطاقة في الميدان.

وثمة تطبيقات أخرى يجري حالياً استكشاف إدراج الجرافين فيها، مثل الطلاء والبلاستيك وإنتاج البوليمر.

ويمكن للطلاء القائم على الجرافين، الذي يطبق على جهاز أو منزل على سبيل المثال، أن يخزن أيضاً الطاقة الشمسية، ومن خلاله يمكن تشغيل مجموعة أجهزة بإنترنت الأشياء وتشغيل كل الأجهزة في المنزل.

إن قوة الجرافين وخفة وزنها تساهم في إنتاج السلع وقطع الغيار التي تستخدم عادة البلاستيك والبوليمرات، مثل السيارات وقطع الطائرات، وبدمجها يمكن أن تسهم في صناعة كل شيء ابتداء من الدراجات الهوائية إلى توربينات الرياح وذلك في بضع سنوات قصيرة. مادة الجرافين لا تزال مادة جديدة نسبياً، والعديد من الشركات تتسابق لاعتمادها، وتشمل هذه العلامات التجارية على سبيل المثال لا الحصر العلامات التجارية للإلكترونيات ذات الأسماء الكبيرة مثل سامسونغ ونوكيا وغوغل وسانديسك وأبل التي تبحث عن طرق لدمجها في منتجاتها.

وكما يبدو فإن التحدي الأكبر للاستخدام التجاري للجرافين هو في تكلفة الإنتاج. لأنها باهظة فإن تكلفة ما ينتج باستخدام الجرافين سيكون باهظاً بالمثل، وهناك تحد كبير آخر هو حقيقة أن الجرافين موصل جيد أنه لا يمكن إيقافه، حيث يفتقر إلى ما يعرف باسم فجوة النطاق، مما يعني أنه لا يمكن اعتماده في الأنظمة الكهربائية؛ بيد أن البحوث الأخيرة شهدت تطورات واعدة تعالج هذه المشكلة.

ورغم ذلك يتفق معظم الخبراء على ضمان أن الطلب على الجرافين سيتزايد في النمو أكثر وأكثر ويعود ذلك أساساً إلى نفقات البحث والتطوير الضخمة من الشركات الكبرى مثل سامسونغ، وكذلك السمات الخاصة للجرافين وقد أعلن الاتحاد الأوروبي في عام 2013، عن خططه لتمويل أبحاث الجرافين التي تدفع الابتكار ونمو الوظائف خلال العقد المقبل لتصل إلى مليار يورو. وللحديث بقية.