بعد الثورة التكنولوجية التي أحدثتها التوجهات نحو اقتصاد المعرفة، برزت الأهمية القصوى في توجيه تطبيقات الذكاء الاصطناعي، حيث كانت سيادة الإنسان على هذا الكون، مرتبطة بتفوقه العقلي على جميع الكائنات، لكن القول بأن الذكاء الاصطناعي يتفوق على النوع البشري في مجموعة متزايدة من المجالات، كلام يستدعي البحث عن سبل وطرائق تضمن للإنسان بقاء سيطرته، أو على الأقل، الحفاظ على القيم الإنسانية وتعليمها للروبوتات، والتأكد من أنها تتصرف بطريقة أخلاقية، وإلا، فإن التعامل مع الآلات سينشئ جيلاً لا فرق بينه وبين الروبوتات التي تربى بمعيتها.
إن جحافل من الروبوتات الآن، تنفذ تعليماتنا بشكل لا يصدق، لكن كيف نضمن أن هذه المخلوقات تعمل دائماً في مصلحتنا الفضلى؟، هل ينبغي لنا أن نعلمهم التفكير بأنفسهم؟، وإذا كان الأمر كذلك، كيف لنا أن نعلمهم الحق من الخطأ؟.
وبالنظر إلى دعوى إيلون ماسك، وهو رجل أعمال تقني، الذي يؤكد أن الذكاء الاصطناعي هو أكبر تهديد وجودي للبشرية، ويمكن القول بأنه كلما زادت حرية تطبيقات الذكاء الاصطناعي، احتاجت هذه الآلات إلى معايير أخلاقية.
إن أهم مهمة قد تكون على عاتق الحكومات التي توجهت نحو اقتصاد المعرفة، ومؤسساتها تنتهج تطبيقات الذكاء الاصطناعي وتستخدمها، هي ليس فقط تثقيف الذكاء الاصطناعي، بل، وهو الأهم، تدريب الذكاء الاصطناعي على فن الأخلاق، وذلك من خلال تعليمهم التفكير والسبب والعمل، وهذا لا يعني أن يتبعوا مجموعة محددة من القواعد، حيث نقول لهم ما يجب القيام به، وما لا يجب القيام به في كل حالة ممكنة، بل وتدريبهم على تطبيق معارفهم في الحالات التي لم يسبق لهم أن واجهوها من قبل.
ويتفق الخبراء، على أن تدخل الحكم البشري مهم جداً، فالروبوتات قد ترى في نتائج أحكامها، مثلاً، أن وسيلة القضاء على الفقر، هي موت جميع الفقراء، ومثل هذه الأحكام، سنجد أيضاً في ما يخص الضرر والإنصاف، وكما يبدو، فإن العالم بحاجة إلى آلة قادرة على التعلم بنفسها.
ولا خلاف على أن ثمة لائحة من القيم الأساسية التي يمكن تعليمها للروبوتات من خلال الصوت، تماماً مثلما يتعلم الطفل في سنواته الأولى بالتقليد والمحاكاة واكتساب المعارف واللغة ممن حوله، فيكتسب الروبوت، كالبشر، إحساساً بديهياً بما هو مقبول أخلاقياً، من خلال مشاهدة كيف يتصرف الآخرون، لكن الخطر يكمن في تقديم النماذج الخاطئة، فيتعلم الذكاء الاصطناعي منها سلوكاً سيئاً.
ومع ذلك، يوجد ثمة بيئات معقدة، يصبح تعليم القيم لتطبيقات الذكاء الاصطناعي فيها صعباً للغاية، ويحدث ردود فعل عكسية، وعلى نحو متزايد.
منظمة العفو الدولية، واحدة من عدد من المؤسسات المكرسة لفهم البعد الأخلاقي للروبوتات التي ظهرت في جميع أنحاء العالم في السنوات الأخيرة، وهناك مثلها من العاملين في هذا المجال، مثل معهد مستقبل الحياة، ومجموعة الروبوتات المسؤولة، والمبادرة العالمية للنظم الأخلاقية المستقلة، وجميعها تتنافس حول أفضل طريقة لتدريس الأخلاق للآلات.
لقد طرحت العفو الدولية، فكرة «المحول الأخلاقي»، وتسعى من خلاله إلى محاكاة الروبوت للمشاعر الإنسانية، بدلاً من محاكاة السلوك البشري، من أجل مساعدة الروبوتات للتعلم من أخطائها، حيث يسمح نظامه بتجربة شيء مماثل للذنب البشري، لأن الشعور بالذنب، آلية تثبطنا عن تكرار سلوك معين، ولذلك، فهي أداة تعليمية مفيدة، ليس فقط في البشر، ولكن أيضاً في الروبوتات.
إن التقدم في مجالات علم الوراثة وتكنولوجيا النانو والأمراض العصبية، لم يكن أبداً بمعزل عن البعد الأخلاقي، ناهيك عن البعد الاجتماعي، ومع ذلك، عندما تجتمع التكنولوجيات الناتجة وتدار من قبل منظمات ومؤسسات، فإن الخطر هو أننا نكتشف أن التقدم التكنولوجي قد تجاوز استعدادنا الأخلاقي، وهذا ما يخالف حتى فطرة الإنسان، أليس الإنسان لا يكتب الشعر إلا باستعداد مسبق، وهذا الاستعداد المسبق، أي الموهبة التي سيكون عليه تنميتها ليكتب الشعر، ولذلك، فالاستعداد الأخلاقي، وكذلك الاجتماعي، يجب أن يسبق التطورات التكنولوجية، أو يصاحبها في أسوأ الأحوال، وهذه المهمة، هي مهمة الفلاسفة ورجال التربية والأكاديميات، وكل من يعتقد أنه ضليع في ذلك، أي أن الحكومات لا يجب أن تفصل بين من يصنع الذكاء الاصطناعي، وبين كل أولئك، بل ينبغي أن يعملوا جميعاً في دائرة ليس لها أطراف، فالمسؤولية في ذلك، هي مسؤولية جماعية، وليست مسؤولية جهة بحد ذاتها، دوناً عن سواها.
يمكننا أن نقول إنه قد لا يتسنى لنا صناعة وبرمجة وتعليم الروبوت، ليكون لدينا نموذج مثالي، لكن الخطر هو أن نظل مكتوفي الأيدي حيال ذلك، ولا نفعل أي شيء، أو يمكننا أن نقول، دعونا نبذل قصارى جهدنا في سبيل التخفيف من النتيجة، إن الكمال ليس في سيارة ذاتية القيادة، لأن ثمة حوادث قد تحدث، لكن سيكون لها عدد أقل من الحوادث التي يقوم بها الإنسان، لذا، فليكن هدفنا التقليل من مساوئ ما يقوم به الإنسان، فلعل الذكاء الاصطناعي، يمكن أن يكون أفضل من البشر. وللحديث بقية.
مستشارة اقتصاد معرفي