خلال حملته الانتخابية الرئاسية، أعلن دونالد ترامب، أنه يسعده أن يجلس إلى جانب الرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ- أون، ويتناولا معاً شطائر الهامبورغر.

وإطلاق ترامب لهذه التصريحات، دفعت المراقبين لاتهامه بأن خطابه ينم عن جهل سياسي كبير، وسذاجة في الشؤون الدولية.

ورد على ذلك قائلاً: ما الخطأ في قول هذه الكلمات؟، أتعرفون أن هذا يسمى حواراً مفتوحاً!

ولكنه بعد وصوله إلى البيت الأبيض، وحثه على تهدئة خطاباته النارية اللاحقة، التي هدد فيها بضرب كوريا الشمالية بالنار والغضب، وأمثال تلك المفردات التي لم يسمع بها العالم من قبل إطلاقاً، سخر ترامب من تلك المطالب، ورد قائلاً إن الرؤساء الأميركيين السابقين، ظلوا يواصلون محادثاتهم مع الكوريين الشماليين منذ 25 عاماً، ما أظهرهم كأشخاص حمقى.

أضاف: يؤسفني ذلك، ولكن ثمة شيء واحد يمكن أن ينجح مع المسؤولين الشيوعيين في بيونغيانغ، لقد أبلغت وزير خارجيتنا الرائع، ريكس تيلرسون، أنه يبدد وقته في محاولته إجراء مفاوضات مع «الرجل الصاروخي الصغير» هذا!

وليس غريباً ربما، أن ترامب صنع وجهاً انتخابياً جديداً في مسايرته للفوضى والطبيعة غير المسبوقة لإدارته، لكن الأنباء التي تتحدث الآن عن استعداده للاجتماع مع كيم جونغ- أون وجهاً لوجه، في وقت مبكر لا يتعدى الشهرين، يعتبر تطوراً غير طبيعي.

لذلك، من يمتلك اليد العليا الآن، بعد تبادل الشتائم علانية بين ترامب وجونغ؟، فأكبر فائز حالي، هو بلا شك رئيس كوريا الشمالية. فقد نجح في الحصول على موافقة البيت الأبيض في إجراء محادثات مباشرة وثنائية، من دون شروط مسبقة، وهو ما كان يرفضه الرؤساء المتتالون في السابق، ويعتبرون ذلك مكافأة لبيونغيانغ على سلوكها السيئ، والاعتراف بمساواة مكانتها مع المكانة الأميركية.

والمعروف أنه لم يقابل أي زعيم سابق أو لاحق من كوريا الشمالية، أي رئيس أميركي، وقد حاول بيل كلينتون استخدام سياسة العصا والجزرة، على شكل عقوبات ومساعدات لبيونغيانغ، في حين أن بوش تمسك بالعقوبات. وفاض الكيل بأوباما وهو يعرض كلا السياستين. أما ترامب، فحتى الآن، عرض سياسة العصا وتغريداته التويترية، علاوة على رسائل متضاربة ومثيرة، للتشوش بشأن سياسة الجزرة.

لكن الرئيس الأميركي، يولي ثقة كبيرة بموهبته في إبرام الصفقات، تماماً كأي شخص يستطيع إنجاز شيء بمفرده، فيما يعجز الآخرون عن تحقيقه.

لكنه فشل حتى الآن في تحقيق أي شيء على الصعيد الدولي، باستخدام جاذبيته المفترضة، سواء في الشرق الأوسط، الذي قاطعه فيه الفلسطينيون، كما لم يتوصل إلى أي تفاهم مع الصين، أو يجري مفاوضات لإبرام صفقات تجارية تصب في صالح الولايات المتحدة.

لكن ذلك لا يشكل عائقاً أمام النرجسيين، ومما لا شك فيه، أن ترامب سيحاول إجراء محادثات مع كيم أون-جونغ، على أمل أن يستطيع تحقيق ما يريده. والسياسة المعقدة والصعبة التي ينتهجها، هي ما جلبت عليه هذه النتائج الكارثية حتى الآن، باعترافه.

وفي الواقع، فإن بيونغيانغ لم تفعل الكثير مقابل الحصول على موافقة لإجراء محادثات سياسية. لقد كان لها حضور منظم ومعد بعناية في الأولمبياد الشتوي بكوريا الجنوبية، والآن، فإنها تعرض بتجميد مؤقت لتجارب الصواريخ والتجارب النووية. وحتماً، لن يوافق المسؤولون الشيوعيون على التخلي عن أسلحتهم النووية مستقبلاً.

ولن يكون هناك مزيد من المعارضات على المناورات العسكرية المشتركة بين واشنطن وسيئول، غير أن كوريا الشمالية لم تعد قادرة على إيقافها بأي حال.

وبإمكان رئيس كوريا الجنوبية، مون جاي، أن يدعي حصوله على حصة الأسد بشأن مساعدته في عقد القمة مع بيونغيانغ.

وفي حفل عشاء ضمه مع الصحافيين مؤخراً، حيث يتباهى ترامب بشكل تقليدي بحذاقته، تحدث عن المفاوضات مع زعيم كوريا الشمالية، حيث أبدى ملاحظته قائلاً: «في ما يتعلق بإجراء محادثات مع رجل مجنون مثل جونغ، فإن هذه مشكلته، وليست مشكلة الولايات المتحدة».

 كاتب في الإندبندنت