لا شك في أن الحديث الدائر منذ عقود حول الأدوار التي تقوم بها وسائل الإعلام وتلك المنتظرة منها، أو التي يجب عليها القيام بها، يؤكد على أن لها قيمة فاعلة في المجتمع.
وفي فترات سابقة كان المشهد الإعلامي يمكن وضعه من قبل المؤسسات الرسمية عبر امتلاك الدولة لكافة وسائل الإعلام، وتحديد القضايا التي يتم تناولها، مما ساعد كثيراً في عملية التوجيه والضبط الاجتماعي، وذلك النظام لم يكن الغرض منه السيطرة على وسائل الإعلام فحسب بل كانت النظرة السائدة إليها باعتبارها وسيلة من وسائل التنمية تستخدمها الدولة في معركتها للبناء .
وفي مواجهة العديد من المشكلات التي تعجز قدراتها عن الوفاء بها، لذا فإن تجارب محو الأمية في الهند عبر نوادي الاستماع والمشاهدة وما حققته من نتائج أوضحت الدور الذي يمكن أن تقوم به وسائل الإعلام.
كذلك فإن وسائل الإعلام، في فترة مبكرة من نشأتها، كانت النافذة التي أطلت منها العديد من الدول، وبخاصة النامية، على العالم وأسمعته صوتها من خلالها، بعد أن كانت دوماً تقع تحت ضغط من يقوم بالنقل عنها ويرسخ صورتها كما يهوى هو، حتى لو جافت الحقيقة وهو الذي كان يحدث غالباً، غير أن هذه الحالة لم تستمر طويلاً بعد أن أصبح في مقدور الأفراد والمؤسسات الخاصة أن تمتلك وسائل إعلام.
كما أن السماوات أصبحت متخمة بآلاف القنوات التي يستقبلها ملايين البشر الذين لم يعودوا يكتفون بوسائلهم المحلية، الأمر الذي أدى إلى مزيد من الأعباء المالية لدى صناع الرسالة والعاملين في الحقل الإعلامي، في ظل منافسة محمومة، البقاء فيها للقادر على كسب مزيد من الجماهير دون النظر إلى أجناسهم أو لغاتهم.
ولأن الأمر كذلك باتت أهداف وسائل الإعلام المملوكة للقطاع الخاص حريصة على أن تجتذب النصيب الأكبر من حصة الإعلان، وبخاصة أنه من غير الممكن لوسيلة إعلامية خاصة أن تستمر دون الإعلان، والجمهور وعدد المشاهدين هما السبب الرئيس في إقبال المعلن، الأمر الذي جعل الوسيلة تنظر إلى الجمهور باعتباره المحدد الأساس لمساحة كبيرة من سياسة الوسيلة.
وبالتالي أصبحت أهداف وسائل الإعلام في أغلب الأنظمة الإعلامية هي البحث عما يريده الجمهور، ونظرت إلى المادة الإعلامية المقدمة باعتبارها سلعة تخضع لقانون العرض والطلب، من هنا انطلق شعار الممارسة «أعط الجمهور ما يريد».
وهو الأمر الذي جعل من الإعلام مشروعاً تجارياً، وأحدث تغيرات كبيرة في الأدوار التي يقوم بها، وغابت الجوانب التثقيفية والتعليمية والتنموية إلى حد كبير، وباتت الأخبار والموضوعات المثيرة هي المعيار الأهم في أولويات الموضوعات الصالحة للنشر، الأمر الذي جعل المنظرين ينادون بالمسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام.
وأن اعتبارها مشروعاً لا يعفيها من القيام بمسؤوليتها تجاه المجتمع، باعتبار أن العمل الإعلامي هو التزام مجتمعي بالأساس، كما أن وظائفه المتعلقة بالتعليم والتثقيف والتوعية هي قضايا أساسية، وإن التزامه بقضايا مجتمعة في إطار المسؤولية الاجتماعية ركن أساس في حركته.
كما أنه لا يوجد ما يمكن أن نطلق عليه حرية مطلقة، ولكن الحرية المسؤولة النابعة من الضمير المهني للممارس أساس لا يجب التخلي عنه، وليس هذا حكراً على الدول النامية فحسب، لكنه يحدث في أكثر دول العالم مناداة بحرية وسائل الإعلام، عندما يتعلق الأمر بالتزامات مجتمعية وقضايا متعلقة بالوطن، تجد الأمر يختلف كثيراً.
حيث تفرض هذه الأنظمة على وسائل الإعلام جانباً من الخدمة العامة أياً كانت ملكيتها وسياستها، كما أنه عند تعرض الوطن لمخاطر خارجية أو داخلية يفرض عليها الالتزام بقواعد وممارسات مهنية صارمة لا مجال فيها للتهاون أو التساهل من أجل مصلحة المجتمع والدفاع عن مصالح الدولة.
إن النظام الإعلامي يعمل في إطار منظومات متعددة، اجتماعية وتعليمية واقتصادية، يتفاعل معها تأثيراً وتأثراً، كما أن مسؤوليته تجاه المجتمع يجب أن تكون من أولويات أهدافه، الأمر الذي يجعل الجمهور يلتف حوله، وهو الأمر الذي يجعل الجمهور يغفر أحياناً بعض الهنات، التي تقع فيها الوسيلة أثناء الممارسة لظروف التسارع، بما لها من رصيد لديه.
إن المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام تزيد من التفاف الجمهور حولها والنظر إليها كمواطن صالح يؤدي دوراً معتبراً، وهو الأمر الجدير بالنظر، إن أهداف وسائل الإعلام ومسؤوليتها يجب أن يكونا وجهين لعملة واحدة.