في رحلة الحياة تحتاج دائماً إلى ثوابت تنطلق مواقفك من خلالها، وإلى منارات كفنارات السفن تهديها إلى طرق السلامة، كي تعرف أين أنت وكيف تتعامل مع ما سيأتي في قادم الأيام.

وتلك الثوابت والرؤى التي تدير سلوكيات الفرد تزيل الكثير من الغموض والتردد في تعامله مع كل ما يصادفه في حياته وتطمئن إليها نفسه، ومن المهم أن تكون هناك شواهد دالة على صدق هذه المنظومة الفكرية الحاكمة للقواعد السلوكية، ولم تتوقف عند الحدود التنظيرية التي لم تختبر على أرض الواقع وفي دنيا الناس ومع ما تقابله من تغيرات وتحديات تختبر صلابتها يوماً بعد يوم.

لأجل ذلك أصدقكم القول أنني أجدني بين الحين والآخر منشّداً ومشدوهاً إلى لقاءات عشتها، أتاحت لي اللقاء ومجموعة من خريجي الدفعة الأولى من جامعة الإمارات مع القائد المؤسس، الشيخ زايد طيب الله ثراه.

والتي تحدث خلالها بكلمات ما زالت باقية في الذاكرة. كيف لا وهي من رجل غيّر حياة شعب، وجغرافية منطقة من العالم كانت في طي النسيان، فإذا بها في موقع القلب من الناحية الفاعلة المؤثرة، القادرة على الفعل وامتلاك إرادة النجاح والتقدم في كافة النواحي السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية.

ويمكن لنا أن نتوقف عند كل منحى وما تحقق منه، حتى لا يعتقد أحد أنها حماسة وطنية فحسب، كما أن تلك المنطقة من العالم باتت في موقع القلب كذلك، ولكن تلك المرة في نفوس البشر، في العالم من شرقه وغربه، لما لها من أياد خيرة، باقية شاهدة على رسالة التسامح والمحبة والانفتاح، التي هي ثوابت قيام وحركة دولة الإمارات العربية المتحدة.

الشكل الثاني من الالتقاء بزايد الخير، رحمه الله، هو ذلك التراث المصور من لقاءاته مع كافة أطياف الشعب والعالم، وكلماته التي أتوقف عندها دائماً، لا لأسترجع ذكريات عشتها بالمشاهدة أو المتابعة والمراقبة، ولكن من باب التعلم على فكر رجل سبق الفلسفات والنظريات برؤية خلاصتها أن من أحب وطنه وشعبه صنع المعجزات، وهو ما تحقق على أرض بلادي.

والسؤال الذي راودني، وأنا أسترجع تلك الدرر الزاخرة من أقواله، رحمه الله، هو لماذا لا يكون هناك مقرر دراسي عن فكر المؤسس ورؤيته على طلبة المدارس؟ أليس من حق أبنائنا أن يعرفوا تاريخ بلادهم، وأليس من حقنا نحن أن نفتخر برجل يقف التاريخ أمام سيرته طويلاً، إن بلاد العالم كلها تجعل من أشخاص قاموا بحركات تحررية أيقونة خالدة تتداولها الأجيال.

وقد تكون سيرهم توقفت عند هذا الحد دون الدخول في المرحلة الأصعب وهي ماذا بعد، فما بالنا بمن قام بمسيرة ضخمة من بناء الإنسان والدولة ولا تزال تلك الرحلة المباركة تزداد رسوخاً وتماسكاً وتفوقاً يوماً بعد يوم، لذا من المحتم أن يكون ذلك الفكر المؤسس لهذه الرحلة بين يدي أبنائنا جيلاً بعد جيل.

إن أقوال زايد، رحمه الله، والتي كان يخاطب بها أبناء الشعب بين الحين والآخر، لم تكن أقوال قائد في مناسبة عليه أن يقولها فحسب لكنها كانت وصايا الوالد المحب لأبنائه، علينا أن نتذكر دائماً وأن يعرف أبناؤنا وصيته، رحمه الل،ه حين قال «ما أريده من الشعب أن يزيد من حمده وشكره إلى الله عز وجل على ما وصلنا إليه، وأن يجعل عمله عنوان محبته لوطنه، وأن قيمة الإنسان بما يقدمه من عمل سواء لنفسه أو أهله أو أبناء وطنه».

ألم يقل إن مصدر فخرك لا يجب أن يتوقف عند ما قام به جدك وأبيك ولكن ما تقوم به أنت من عمل، «وأنه لا يجب أن يسبق الكلام الفعل، ولكن اجعل من أقوالك أفعالاً، حتى إذا فعلت لا تتحدث بعد الفعل مباشرة، ولكن انتظر حتى ترى نتائج فعلك، ويكون لدى الناس شواهد على صحة قولك».

«لقد كرم الله الإنسان بالخلقة والقدرة، ولا يجوز أن ينتقص إنسان من غيره أياً كان، وأن ما أفاض الله عليك من نعم لا يجب أن تتوقف عندك، ولكن يجب أن يمتد نفعها إلى من حولك، فالله لا يمن بفضله على من يحبس الخير عنده فحسب».

«إن الطريق الصحيح الذي يختاره الإنسان لنفسه هو الذي يسبب العز له والفخر لأهله، وهو الباب الذي يحقق من خلاله الصعاب، ويجعل له قيمة بين الناس، فأنت من تحدد مقدارك».

إن الوقوف أمام وصايا المؤسس يدخلنا في فيض لا يمكن أن نستطيع الإبحار في مياهه الغامرة وأمواجه الحاملة للخير، لكنها ملامح نتوقف عندها لنعرف أين كنا وكيف، بفضل الله ثم بقادة أحبوا شعبهم ووطنهم، أصبحنا.

فطوبى لمن أسس وشيّد، وطوبى لمن حافظ ونمّى، وطوبى لمن أحبّ رمال الوطن.