بالإعلان الرسمي عن فوز الرئيس عبد الفتاح السيسي بولاية رئاسية ثانية في مصر بعد اكتساحه الانتخابات الأخيرة بنسبة تجاوزت 95%، لا شك في أن التحليلات والكتابات السياسية سوف تستمر لفترة ليست بالقليلة من الزمن في محاولة لاستيعاب الحدث وتقديم قراءة واقعية في شأن ما جرى، وما سبق العملية الانتخابية من سجالات وتراشقات سياسية.
الحقيقة وكما أتضح للعيان والمراقبين من داخل مصر وخارجها، فإن جموع الناخبين المصريين لم يخيبوا ظن السياسيين والمراقبين، حيث أقبلوا بكثافة كبيرة على صناديق الاقتراع، وتعدت نسبة التصويت الـ 40%، وهي في المطلق في ضوء عوامل وظروف ومعطيات سياسية واقتصادية وكذلك لوجيستية تعتبر نسبة أكثر من ممتازة.
فالمصريون بهذه النسبة تجاوزوا الكثير من الصعاب والعراقيل خاصة الأمنية والإرهابية، وقد تراجعت بشدة خلال السنوات القليلة الماضية إلى حد تطبيع الحياة اليومية في المجتمع المصري بنسبة هائلة.
كما تجاوزوا حملات معادية في الداخل المصري وأخرى عابرة للحدود حرضت على المقاطعة وعدم التوجه إلى لجان الاقتراع، وهناك عنصر آخر له أهميته في هذا الشأن ويتمثل في غياب الوسائل التكنولوجية وعلى رأسها التصويت الإلكتروني وعدم حل مشكلة تصويت المغتربين في الداخل والخارج وعددهم قد يقترب من العشرين مليون ناخب.
وعدم حل تلك المشكلة بشكل جذري وبحلول عملية مبتكرة يحرم عملية التصويت من هذه الكتلة الانتخابية الكبيرة، وهو ما يجب العمل عليه لتطوير عملية التصويت في مصر وغيرها من الدول العربية لضمان نسبة ضخمة من المشاركة الجماهيرية في تكريس حقيقي لاستيعاب ثقافة الانتخابات.
وحقاً أنه لم تكن هناك برامج سياسية أو فكرية معينة يمكن القول إن الانتخابات وتصويت الناخبين تم على أساسها، كأن يكون الاختيار بين مرشح ديمقراطي وآخر جمهوري، أو مرشح ليبرالي وآخر اشتراكي، إلى ما غير ذلك من التصنيفات السياسية المعروفة في عالم الانتخابات الغربية على وجه الخصوص..
إلا أن هذه الحقيقة يمكن استيعابها في ضوء خصوصية التجربة المصرية والظروف الخاصة التي تمر بها الدولة منذ ثورة الثلاثين من يونيو 2013 الشعبية الكبيرة على حكم «الإخوان المسلمين».
وما صاحبها من توترات واضطرابات أمنية هائلة جعلت من استقرار البلاد ووضعها على الطريق الصحيح تمهيداً للانطلاق نحو التنمية والبناء هدفاً مشتركاً وجوهرياً للدولة بكل مؤسساتها وجموع الشعب على حد سواء.
ومن ثم فلا غرابة في تراجع ظاهرة التصنيفات السياسية وغياب البرامج الفكرية والإيديولوجية لصالح الاختيار على أرضية «وطنية» تحتاجها البلاد في تلك المرحلة في إطار الحفاظ على الوحدة الوطنية ورص الصفوف لمحاربة الإرهاب.
هذا التوجه هو ما جعل الرئيس عبد الفتاح السيسي الاختيار الأفضل والأمثل للناخب المصري، وأغلب الظن أن الفوز الكاسح والأصوات الهائلة التي حصل عليها الرئيس السيسي ما كانت لتتغير كثيراً في حالة وجود عدد أكبر من المرشحين من أحزاب وأطياف سياسية ومجتمعية مختلفة .
وكذلك حتى لو تضاعفت نسبة التصويت، ربما كان المشهد سيزداد سخونة وربما توزعت أصوات في اتجاهات مختلفة ولكن النتيجة النهائية المتمثلة في فوز الرئيس السيسي بولاية رئاسية ثانية ما كانت لتتغير في ضوء الشعبية الكبيرة التي يحظى بها الرجل ورصيده الكبير لدى جموع الشعب.
لقد كانت أرضية «المواطنة» هي السلاح الأهم في فوز الرئيس السياسي الكبير، فهو لا يعمل لصالح حزب أو جماعة أو تنظيم بعينه، داخلياً وخارجياً، وإنما يكرس سياساته وتصرفاته من منطلقات وطنية خالصة، وتمكن بالفعل من إخراج البلاد من عنق زجاجة خطير بعدما كانت على شفا السقوط في هوة سحيقة من الاضطرابات الأمنية والسياسية والاقتصادية الخطيرة.
وقد أدرك الناخب المصري جيداً أن السيسي قد نجح بالفعل في إعادة الأمن والاستقرار للبلاد برغم أي حديث عن عمليات إرهابية أو توترات أمنية.
فلا وجه للمقارنة بين ما تعيشه مصر حالياً وما تعرضت له منذ أحداث يناير 2011، وهناك قناعة بنجاح الرجل في إعادة مصر كطرف فاعل ولاعب أساسي في محيطها الإقليمي وعلى الصعيد العالمي ومكنها من اكتساب ثقة المجتمع الدولي، لينعكس ذلك في صورة تدفقات استثمارية متزايدة وتحسن المؤشرات الاقتصادية ودعم المعدلات التنموية ورواج المؤشرات السياحية.
ما يجعل فوز الرئيس السيسي بولاية ثانية أمراً مفهوماً ومبرراً، فقد اختار المصريون الاستقرار والأمن مع التنمية، في تكريس جديد للثقافة الانتخابية والإدراك السياسي، في ضوء الظروف والمعطيات التي تعيشها مصر والشعبية الطاغية للرئيس السيسي.