لا شك أن توجيه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم بترسيخ مبادرة «تحدي القراءة»، في دورتها الثالثة عربيا وعالميا كمشروع تنموي دائم، له دلالات يجب التوقف عندها بالنظر والتحليل، منها أن ما حققته المبادرة في نسخها الثلاث يأتي من قوة الدفع من القيادة السياسية الرشيدة، التي رسخت لرؤية واضحة معالمها، محددة وسائلها، ملموسة أهدافها، ومتيقنة من نتائجها، مفادها «أننا أقوياء بالعلم، وأقوياء بالشباب العربي الذي يدرك أهمية القراءة، وأقوياء باجتماع العرب على مشروعات حضارية كتحدي القراءة العربي»، وأن العالم العربي، الذي أنار علماؤه طريق العلم للعالم في عصور زاهرة، ما زال قادرا على ذلك لكي يحتل المكانة التي يستحقها بين الأمم.

وفي تقديري أن «تحدي القراءة» يحمل في طياته تحديات حضارية، وقل إن شئت هو الطريق للنهضة الحضارية المأمولة، وذلك لأن الأمر لا يتوقف عند القراءة فحسب لكن ما يستتبعه ذلك من حالة استثارة عقلية لها ما بعدها من فتح الأبواب الواسعة أمام الفكر والتأمل، لنخرج جيلاً قادراً على العطاء والمساهمة في صناعة الحضارة الإنسانية التي لا حدود لها، وأول خطوات صناعة هذا الجيل هو أن «يقرأ»، ذلك التكليف الذي نزل به الوحي الأمين على سيد الخلق أجمعين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وكأن البداية دائما تبدأ من القراءة التي يتبعها تفكر وتأمل.

ولا شك أن هذا المشروع الحضاري كشف لنا عن كنوز كدنا ننساها أو نتناساها عبر الجلد المستمر للذات، واتهام أجيال الشباب الدائم بالتقصير، وعدم الرغبة في المعرفة الجادة والانصراف إلى غيرها من ممارسة الأنشطة التي لا تحتاج إلى جهد عقلي أو إعياء الفكر، غير أن المشاركة الكبيرة من أبنائنا، على المستوى الوطني والعربي لهذا العام لقراءة 50 كتابا.

شملت 10 ملايين طالب من 44 دولة، تضمهم 52 ألف مدرسة، ويتابع أداءهم 86 ألف مشرف قراءة، تؤكد أن شبابنا بخير، وأنهم بحاجة إلى من يضيء لهم وبهم الشموع بدلا من أن يجلس بجانبهم ليلعن الظلام، وكأنه يغسل يديه ويريح ضميره من جهد كان عليه أن يقوم به تجاه أجيال وقصر فيه.

كما إن الاستجابة غير المسبوقة لهذا المشروع تؤكد قوة الإمارات الناعمة ودورها الثقافي الذي بات واضحا كوضوح الشمس في وضح النهار بمنطقتها العربية والعالم ومنهجيتها الوطنية التي تهدف إلى غرس محبة القراءة بين النشء والشباب.

وخاصة أن نسب انتشار القراءة بين الشباب العربي، والتي تصدر عن المؤسسات الوطنية والعالمية، تمثل جرس إنذار يستلزم تحركاً عاجلاً ومنهجياً قائماً على آليات واضحة، لذلك كانت مبادرة «تحدى القراءة» تلبية لحتمية حضارية تتطلبها مسيرة أمتنا بين الأمم والمكانة التي تستحقها.

ولا شك أن هذه المبادرة تفتح آفاقاً جديدة لشبابنا العربي في رسم طريق مسيرتهم العلمي والبناء لثقافة القراءة التي هي أساس كل تقدم، كما أنها تمثل قوة دافعة في الوقت ذاته لأصحاب الفكر والثقافة لإنتاج المزيد من الفكر عبر التأليف في مختلف المجالات.

وخاصة أنه سيزيد بلا شك الجمهور المتعطش للقراءة في ثقافته في الوقت الذي ينفتح فيه على ثقافة العالم من شرقه وغربه، ليتكون لدينا عبر هذا المشروع الفكري جيل يستند بقوة لميراث ثقافي وفكري أصيل، وقادر على التعامل والتفاعل مع عالم بات الانقطاع عنه من المستحيل.

فضلا عن ذلك فإن «تحدي القراءة»، الذي خرج من إمارات الخير يحمل الخير والنماء لمنطقتنا العربية، يمثل نموذجاً يحتذى به لتسير مشروعات وطنية على غراره من مختلف بلداننا، تبحث عن الفكرة العبقرية، والشاعر الفذ، والعالم الألمعي، والفنان البارع، والمبتكر المتفرد، والرياضي الموهوب، بين شبابنا، ولا شك أنهم كثر بين أبنائنا لكنهم ينتظرون من يمد لهم طوق المساعدة، ويلقي عليهم مزيدا من الضوء، ويتبنى أفكارهم ليحملها ويدفع بها وبهم إلى الأمام، وتوفير بيئة مواتية قادرة على تهيئة الإبداع لأبنائها.

ولا شك في أن توجيه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم إلى ترسيخ مبادرة «تحدي القراءة» عربياً وعالمياً كمشروع تنموي دائم يمثل دعوة إلى الفكر والثقافة المستدامة، ولتكون هدية من الإمارات إلى العالم.