هل نحتاج إلى استماع الموسيقى والأغاني المرحة والعاطفية، ونهرب معها إلى عالم الخيال؟، هل يمكن الهروب من الواقع الحالي الذي نعيشه من حولنا؟

حيث تتعمد بعض القنوات الفضائية بث صور لأطفال مشردين، لا ذنب لهم، اللهم إلا أنهم نشأوا في بقعة تندفع نحوها أحدث وأبشع وسائل الدمار، من أسلحة كيماوية وقنابل ورصاصات طائشة تحرم هؤلاء الأطفال طعم الحياة وأحلامهم باللعب على رمال شواطئ البحر أو النهر أو الترع، هل يمكن للفن من موسيقى وغناء وأفلام وغيرها أن يساعدنا على مواجهة الواقع المأساوي الذي تعيشه بعض شعوبنا العربية؟

كان عباقرة الغناء العربي أمثال أم كلثوم ووردة الجزائرية وعبد الحليم حافظ وفريد الأطرش وأسمهان، وفايزة أحمد، يتابعهم الملايين من المستمعين العرب من المحيط إلى الخليج، ولم يكن أحد يسأل من أي بلد عربي هذا المطرب أو ذاك.

وكان عبد الحليم وفريد الأطرش يقتسمان الجمهور في مصر بلد عبد الحليم الذي كان يطغى في بلاد الشام على المطربين الشوام، كان الفن عربياً لكل العرب نسمعه لنخرج به من همومنا ومشاكلنا، أو لنتحمس به في محننا وحروبنا الوطنية، أو ليشجعنا في عمليات البناء والتنمية.

وكم من فيلم عربي شاهده الملايين من العرب من المحيط إلى الخليج ومازال يشاهد للعديد من المرات، من دون ملل أو ضجر، وكان عشاق الغناء والطرب يستقلون وسائل المواصلات من سيارات أو طائرات أو بواخر للعيش في سعادة لساعات قصيرة في حفل غناء في القاهرة أو بيروت أو البصرة أو دمشق أو غيرهما من المدن العربية التي كانت تضج آنذاك بالبهجة وبالمرح والفرح، ويكررون العودة مرات عدة.

ورغم كثافة الفن الجميل والراقي الذي كان ينهض بأحاسيس ومشاعر الشعوب ويرقى بها للآفاق، كان هناك أيضاً الفن الهابط عديم القيمة، لكنه كالزبد ذهب جفاءً، وبقي الفن القيم الراقي خالداً في ذاكرة شعوبنا.

ولم يقتصر الذوق العربي على الفن العربي، بل هناك من الأفراد من يستمعون إلى كلاسيكيات القرن السابع عشر وغيره من إبداعات عظماء الموسيقى العالميين أمثال بتهوفن وموتسارت وتشايكوفسكي وغيرهم، الموسيقى من الفنون الراقية التي تؤثر بقوة في ذوق وثقافة الشعوب.

ولهذا يخلد التاريخ المبدعين من عظماء الموسيقى والأوبرا والباليه وغيرهم، وكم أبدع ذلك الذي أنشأ روميو وجوليت وحولها إلى موسيقى وفيلم لا يمل الكثير من الناس مشاهدته، وفي مصر رائعة «ألمظ وعبدو الحمولي»، وكذلك عنتر وعبلة، وهو العمل الفني الرائع الذي سلط الضوء على الفوارق الاجتماعية والطبقية في تاريخ المجتمعات العربية.

وكم لعبت الأغنيات الوطنية العربية من دور في إشعال حماس الشعوب في مراحل التحول الوطني، وكم خلدت من لحظات تاريخية وطنية في حياة الشعوب وأبطال تاريخيين صنعوا أمجاد أوطانهم.

ونحن في دولة الإمارات العربية المتحدة عندما ننشد الأناشيد والأغاني عن تاريخ وطننا وعن مؤسس دولتنا الراحل العظيم الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، إنما نستخدم الفن الراقي للتعبير عن مشاعرنا الصادقة تجاه وطننا وقيادتنا الرشيدة التي حبانا الله إياها، وها هم فنانو الإمارات يبدعون ويقدمون إبداعاتهم في مختلف الدول العربية من المحيط إلى الخليج.

ويغنون لمصر والسعودية وفلسطين وغيرهم، ويلتقيهم الجمهور العربي في كل بلدان العرب وكأنهم من أبنائه.

هكذا كان ومازال وسيظل الفن والموسيقى والإبداع روح الشعوب ومحرك مشاعرها الراقية والصادقة، الفن من أشكال الجمال الإنساني التي وهبها الخالق للبشرية، ولا حرمة في الفن طالما لم يبتذل المشاعر والأحاسيس الإنسانية، بل يظل للفن دوره المحمود والوطني في جمع الشعوب ولم شملهم وبث أحاسيس الانتماء والولاء في نفوسهم.

ويظل الفن إحدى وسائل الدعم في حركة البناء والتنمية في المجتمعات، ونظل نحن في أمتنا العربية ندين للفن بأنه جمعنا ووحدنا وأعطانا الإحساس الصادق بأننا أمة واحدة، وسيظل الفن أمضى سلاح في وجه الجهل والتطرف والإرهاب.