بداية فإن التعامل مع أية مشكلة أو ظاهرة سلبية يستوجب التسليم بوجودها، وأن تداعياتها السلبية أصبحت قائمة وشاخصة، وأن استمرارها لاشك ستكون له عواقب لا نتمناها، لذلك فإنه من الأهمية بمكان القول إن ظاهرة التنمر بين طلبة المدارس باتت شكلاً غير مقبول، وأن ما يقرب من 30% من طلبتنا يعانون من هذه الظاهرة التي لا تقتصر على السلوك فحسب لكنها تأخذ أشكالاً متعددة قد يكون لها وقع أقوى وهو التنمر اللفظي، وكذلك محاولة الإحراج أمام الآخرين والتقليل من شأنهم للدرجة التي تجعلهم ينسحبون من بيئتهم المدرسية ويفضلون الانزواء أو العزلة بما لها من نتائج نفسية مؤذية، مع التسليم بأنها ظاهرة عالمية، غير أنها دخيلة على مجتمع يلفه التسامح وقبول الآخر بين ما يزيد عن المئتي جنسية.

ولاشك أن مواجهة التنمر الذي تظهر ملامحه في الصفوف الدراسية وبخاصة من التاسع وما يليه ليس وليد البيئة الدراسية فحسب لكنها حالة كامنة، أحد أهم أسبابها الأسرة التي غابت عن تربية أبنائها والحوار الذي انقطع بين أب مشغول بتوفير أسباب العيش الرغيد وأم تركت أبناءها للألعاب الإلكترونية بما تحويه من مشاهد للعنف والقتل في معظمها، للدرجة التي تجعل من يمارس العنف الإلكتروني ويقتل أكبر عدد يحصل على نقاط أعلى، ولاشك أن التقدم الهائل في تلك الألعاب جعلها أقرب إلى محاكاة الواقع وتلك خطورة كبيرة، ولاشك أن من يمارس تلك الألعاب يهوى أحيانا أن يطبقها على نفسه، من هنا كانت محاولات تقليد «الرجل الوطواط» وإلقاء بعض الأطفال لأنفسهم من النوافذ «اعتقاداً منهم أنهم لن يصابوا بأذى»، وبخاصة أن في مرحلة عمرية معينة قد لا يستطيع الطفل أن يفرق بين الحقيقة والخيال.

إن البداية الحقيقية لمواجهة التنمر المدرسي تبدأ من الأسرة، بيئة الطفل الأولى، التي يتلقى منها خبراته المهمة والتي تدوم لفترات طويلة، كما أن عدم مراقبة الأطفال لما يشاهدونه عبر وسائل التواصل الاجتماعي التي يستخدمونها أو المواقع التي يدخلونها، والتي باتت في متناولهم من أنحاء العالم ومختلف الثقافات، والتي تبدأ متابعتها بدافع الفضول وحب الاستطلاع، ثم تصبح عادة ملازمة له، ثم ينتقل إلى مرحلة التقليد وما يتبع ذلك من عواقب وخيمة.

إن الدور التربوي للأسرة يجب أن يعود، كما أن دور الأبوين يجب أن يرتقي فوق المطالب الحياتية إلى التوجيه النفسي، وبخاصة أنهما الأقرب إلى الطفل في مراحله الأولى، كما أن السلوك بين الأبوين ينبغي أن يرى فيه الأبناء النموذج الأمثل، وأن الخلافات الزوجية لا ينبغي أن يكون الأبناء جزءاً من مشهدها.

ثم يأتي دور المدرسة التي يقضي فيها أطفالنا جل وقتهم في مرحلة من أهم مراحلهم السنية التي يسهل فيها استواؤهم، لذا يجب أن يكون اختيار المعلمين قائماً على لياقتهم النفسية فضلا عن تأهيلهم التربوي والعلمي، لأنهم يمثلون قدوة، إن أهم حلقة في العملية التعليمية هو المدرس باعتباره الموجه والمرشد والمربي والنموذج، في الوقت الذي لا يجب فيه إثقال كاهله بعدد ساعات من التدريس تحول بينه وبين آداء باقي أدواره، كما يجب أن يعود للمدرسة الأخصائي الاجتماعي، فضلا عن وضع برامج وأنشطة لا صفية قادرة على استيعاب طاقات التلاميذ في مختلف الصفوف يمارسون من خلالها هوايتهم، وهو الأمر الذي ينعكس على الارتقاء بأدائهم الدراسي، ومن الأهمية بمكان أن ترجع حصص المكتبة التي يتعرف فيها الطلبة على تجارب الآخرين من خلال الكتب فتتسع مداركهم وتسمو نفوسهم ويهذب سلوكهم.

وبين الأسرة والمدرسة يأتي دور الإعلام وما يتحمله من مسؤولية اجتماعية تجاه المشاهدين ونماذج الأبطال الذين يتم تقديمهم في الأعمال الدرامية والتي لا تخلو في معظمها من الصور العنيفة، ولاشك أن لذلك تداعياته على سلوك الأطفال، وبخاصة إذا كان أبطال تلك الأعمال من النجوم الذين يحظون بجماهيرية كبيرة، بل من الممكن استخدام هذه النماذج عبر مواقف إنسانية ضمن حملات للدعوة إلى ترسيخ القيم التي عاش عليها أبناء الإمارات ومازالوا، ولا ضير في التذكير بها والدق على ذلك بصورة مستمرة.

إن الكلمات الساحرة التي تقوم عليها سياسة دولة الإمارات هي التسامح والمحبة والسلام يجب أن يعض عليها كل فرد على أرض هذا الوطن المعطاء بالنواجذ، وأن تكون الأساس الذي تنطلق منه كافة المناشط الرسمية وغير الرسمية، ولذلك فإن التنمر المدرسي أسبابه ومظاهره ومواجهته مسؤولية الجميع.