تتعاظم أهمية الإعلام بوتيرة متسارعة نتيجة للأدوار التي يقوم بها، سواء على المستوى الوطني أو على المستوى الدولي، فضلاً عن وظائفه بالنسبة للفرد والمجتمع، للدرجة التي تتطلب دائماً أن تكون هناك رؤى استراتيجية للدور والمهام التي يجب أن يقوم بها وآليات ذلك.

وأن تكون تلك الرؤى متوائمة مع الأشكال المتجددة له، والتي تجعلنا دائماً نتوقف عند سبل استخدامها والآثار الناجمة عنها، ولأن نمط الحياة وصيرورتها تتسارع بشكل كبير فإن الاعتماد على وسائل الإعلام بمختلف أشكالها بات حتمية اجتماعية، نتج ذلك عن سرعة تداول المعلومة وما تمثله من ضغط على اتخاذ القرارات على مستويات مختلفة.

ولعظم هذا الدور كان من الأهمية بمكان أن تكون الحلقات المكونة للسلسلة الإعلامية متينة ومتماسكة، بدءاً من الصحفي أو الإذاعي وهو الحلقة الأهم، مروراً بالرسالة، وليس انتهاء بالجمهور الذي هو الهدف النهائي، حيث إن قياس الأثر ومعرفة النتائج بصورة دورية من الأهمية بمكان، والذي يتم بناء عليها إما الاستمرار أو التعديل والتغيير حتى نصل إلى الهدف المنشود لدور الإعلام.

ولأن الصحفي أو الإعلامي من أهم الحلقات في العملية الإعلامية، لذا كانت مناقشة المجلس الوطني منذ فترة لأهمية هذا الأمر، عبر التأكيد على بعض المسائل الإعلامية ومنها تأهيل الكوادر المواطنة في المجال الإعلامي عبر شراكة فاعلة ودائمة بين المجلس الوطني للإعلام والكليات والمؤسسات والمعاهد العلمية المعنية، وكذلك العمل على زيادة نسبة المواطنين العاملين في المؤسسات الإعلامية.

ولا شك أن ذلك يتطلب الاهتمام بالنشء منذ مراحل التعليم المبكرة، وفتح الكثير من الأنشطة غير الصفية التي تسمح للطالب أن يكتشف نفسه ويمارس هواياته، التي لا شك تدعم دراسته وتساعده في اختيار التخصص المناسب، فضلاً عن ذلك لا بد من وضع مزيد من المحفزات المادية الجاذبة للمواطنين إلى مجال العمل الإعلامي، الذي يختلف في طبيعته ونظام عمله عن غيره من الوظائف.

فضلاً عن أهمية التوعية لأن تلك المسألة تتعلق بأمن الوطن، وأن يكون أبناؤه جزءاً من المنظومة الإعلامية مع غيرهم، وبخاصة أن البنية التحتية المساعدة للانطلاقة الإعلامية الكبيرة قادرة على الدفع في ذلك إلى أبعد مدى، الأمر الذي يتطلب أن يكون هناك تأهيل مستمر، سواء للكفاءات الوطنية العاملة في المجال الإعلامي أو لجذب عناصر جديدة للعمل به.

فضلاً عن أهمية رفع الوعي عند الملتحقين بالجامعة لاختيار تخصصات مثل الصحافة وكذلك الإذاعة والتلفزيون وهما من التخصصات التي يعزف عن الالتحاق بهما المواطنون، في حين أنهما من القطاعات التي تحتاج إلى مزيد من الكوادر المواطنة.

إن الثقة بالمصدر من أهم عوامل فاعلية الرسالة الإعلامية، والثقة لا تعني الصدق والكذب بقدر ما تعني مدى تخصصه فيما يقوم بعرضه، وشعور الجمهور أن الإعلامي قريب منه، فضلاً عن رغبته في خدمته، الأمر الذي يجعله يقبل على الرسالة المقدمة ويزيد من فاعليتها.

كما أن هناك أشكالاً جديدة للإعلام، ما يسمى بالإعلام الرقمي، أو الإعلام التفاعلي، أو الإعلام البديل، وكلها مسميات متعددة لشكل واحداً من الإعلام، وهو الموازي للإعلام التقليدي أو الرسمي، ولا شك أن هذا الإعلام الجديد أصبح له جمهوره.

كما أصبح له مجالات واسعة للتأثير وبخاصة بين الشباب، من هنا تأتي أهمية تأهيل الكوادر المواطنة في المجال الإعلامي لتتعامل باحترافية وفاعلية مع القواعد والمهارات التي يتطلبها الإعلام الجديد، من اعتماد على الصورة بشكل أكبر، والكلمات بشكل أقل، والاختصار غير المخل في النصوص، والتشعب في الارتباطات.

وما يتطلبه ذلك من جهد فني وتحريري، حتى يمكن الحفاظ على جمهور المؤسسات الإعلامية لإحداث التوازن المطلوب في ظل إشكاليات عديدة يعاني منها جمهور الإعلام الجديدة أولها المصداقية، فضلاً عن حالة من السيولة التي تتطلب تنظيماً قانونياً يحفظ للجمهور حقوقه ويرشد الاستخدام، مع تعريف المفاهيم وتحديدها.

ولخطورة هذا الأمر وأهميته تناوله المجلس الوطني بتفصيل كبير، بحضور معالي الدكتور سلطان بن أحمد الجابر، وزير دولة، رئيس المجلس الوطني للإعلام، الذي أكد «أن هناك تجاوباً حقيقياً من المؤسسات الإعلامية، وتتم المراجعة، وسيتم وضع محفزات مالية إدارية لاستقطاب الإعلاميين الجدد، ونحن نساعد في خلق هذه السياسات».

إن الصورة والكلمة من أدوات العصر في بناء صورة الأوطان والحفاظ على مكتسباتها، لذا بات تأهيل الكوادر الوطنية للإعلام قضية وطنية بامتياز.

* أكاديمي إماراتي