مع تنصيبه للمرة الرابعة كونه رئيساً لروسيا، ظل فلاديمير بوتين في السلطة في روسيا لمدة 18 عاماً. وسوف يقترب من بقائه ربع قرن بحلول الوقت الذي تنتهي فيه فترته الرابعة، وهي فترة أطول من فترة حكم فلاديمير لينين، التي استمرت سبع سنوات، وإن كانت أقصر بكثير من حكم جوزيف ستالين 31 عاماً، أو إيفان الرهيب 51 عاماً، أو بطرس الأكبر 43 عاماً.
لقد قورن بوتين حتماً بقادة الاتحاد السوفييتي وأباطرة الإمبراطورية الروسية كونه حاكماً مطلقاً. وبالفعل، يبدو أن هيمنته على سياسات بلاده، فضلاً عن تأثيره على اقتصادها، لا تواجه حالياً معارضة قوية.
وقد دفعت سلطة الرئيس الروسي، وفقاً لاستطلاعات الرأي، الناس في أجزاء من أوروبا (بما في ذلك في فرنسا وألمانيا وإيطاليا) إلى النظر إليه باعتباره الرجل الأقوى في العالم.
وفي بريطانيا والولايات المتحدة، يعتبر دونالد ترامب هو الأقوى في العالم، وسيعتمد مسار العلاقات الدولية الحالي على نشاط بوتين وترامب.
في خطاب تنصيبه، أعلن بوتين (65 عاماً) أنه كونه رئيساً للدولة الروسية سيفعل كل ما بوسعه لمضاعفة قوة ورخاء بلاده، وأن حكومته بحاجة إلى إحداث اختراق في جميع جوانب الحياة.
أضاف أنه مقتنع تماماً بأن مثل هذه القفزة إلى الأمام لا يمكن ضمانها إلا بمجتمع حر يقبل كل ما هو جديد ومتقدم. وشدد على أنه في الماضي كانت روسيا قد ارتقت مرة أخرى من النكسات التي واجهتها، تماماً مثل طائر الفينيق الخرافي. وقد تكون تلك الكلمات تقليدية بالنسبة لمناسبة انتخاب بوتين، لكنها تعكس بعض الجوانب الرئيسية في عهده.
كان وصول بوتين إلى المشهد السياسي في بلاده في أواخر التسعينيات قد جاء في الوقت المناسب، فقد كان يُنظر إليه على أنه الزعيم القوي الذي أراده الناس العاديون في وقت كان فيه الاقتصاد في حالة تغير مستمر، وكانت وظائف الدولة الأساسية تتفكك، والعنف الدموي للحروب الانفصالية في الشيشان وأماكن أخرى في القوقاز قد وصلت إلى مستويات شرسة.
وكان هناك أيضاً الشعور المرير بأن روسيا تعرضت للإذلال المتعمد من قبل الغرب منذ تفكك الاتحاد السوفييتي.
لقد استغل بوتين صورته كونه رجلاً يتمتع بلياقة بدنية عالية، وضابط مخابرات سابق، ورجل أعمال، ومصارع حاصل على الحزام الأسود في الجودو وغواص في أعماق البحار، لكنه عالج بصدق العديد من المشكلات التي تواجهها بلاده، حيث عززت عائدات النفط والغاز الرخاء، واستقر الاقتصاد وتم استثماره في البنية التحتية.
وقد أعاد بوتين التأكيد على السلطة الروسية في الخارج، ومؤخراً في سوريا، حيث تناقضت سرعة قراره بدعم حليف موسكو، بشار الأسد، بصورة صارخة مع افتقار الغرب لدعم المعارضين، الذين فجروا انتفاضة ضد نظام دمشق. وقد زاد هذا الحسم من رصيد بوتين على الصعيد الدولي، وجعل روسيا الآن لاعباً رئيسياً في الشرق الأوسط بعد عقود من الغياب.
سوف يكون بوتين في الثانية والسبعين من العمر في وقت الانتخابات التالية في عام 2024. ومن دون تغييرات دستورية، لن يتمكن من الترشح لفترة خامسة. قد يخرج خليفة له من الاقتتال الداخلي بين المجموعات المتنافسة من التكنوقراط والمؤسسة الأمنية، لكن حتى الآن لم يعرب بوتين عن تفضيله لأي فرد في أي من الفصيلين.
وقد يعيد الرئيس الروسي التحرك الذي أقدم عليه في عام 2008 عندما طرح ديمتري ميدفيديف رئيساً لروسيا بينما كان يحتفظ بالسلطة الحقيقية كونه رئيساً للوزراء، حتى إنه يمكنه محاكاة شي جين بينغ في الصين وإلغاء الحد الزمني للرئاسة، ما يسمح له بالبقاء رئيساً مدى الحياة.
لقد أصر بوتين في المقابلة التي أجراها في مارس الماضي على القول: «لم أغير الدستور أبداً، خصوصاً لأنه يستفيد مني، وليس لديّ هذه النية اليوم»،
لكن يبدو من غير المحتمل أن الرجل الذي قال في تولي المنصب لفترة رابعة: إن: «موضوع حياتي وعملي سيكون لخدمة الشعب والأرض»، سيختفي ببساطة ويمارس حياة هادئة في المستقبل المنظور.
* كاتب في الإندبندنت