كان من المقرر أن يلقي الرئيس الأميركي ترامب بيانه الخاص بانسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الدولي مع إيران يوم الثاني عشر من مايو الجاري.
إلا أنه بادر بإعلان هذا الموقف قبل الموعد المحدد بأربعة أيام على وجه التحديد، وأغلب الظن أن ترامب أقدم على تبكير الموعد حتى يهيئ المسرح الشرق أوسطي لمناسبة أخرى لا تقل أهمية وصخباً عن انسحابه من الاتفاق النووي.
وهي التنفيذ العملي لقراره نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس بعدما اعتبرها قبل أشهر قليلة عاصمة أبدية للكيان الصهيوني تزامناً مع حلول الذكرى السبعين لاغتصاب الأراضي الفلسطينية وإعلان قيام إسرائيل فوق ربوعها.
وما بين اليومين والحدثين العظيمين يبدو أن المنطقة كعادتها على موعد مع أحداث ساخنة، نعرف بداياتها ودوافعها الملتهبة ولكن أحداً لا يستطيع التكهن بتطوراتها ونهاياتها المأساوية في الغالب.
ولكن الشيء المؤكد أن الشرق الأوسط - وربما العالم أيضاً - سيجد نفسه فوق سطح صفيح ساخن جراء المناسبتين المنفصلتين ولكنهما مرتبطتان بخيط رفيع .
ولاعب أساسي اسمه البيت الأبيض وطرف آخر متحفز هو الكيان الصهيوني، الذي يستفيد من دون شك من التصرفات السياسية المارقة لبعض القوى الإقليمية، على رأسها إيران بكل تأكيد، التي تضع المنطقة فوق برميل بارود متفجر جراء تدخلاتها السافرة والتخريبية في دول الجوار العربي وبسياساتها التي أساءت للقضية الفلسطينية ذاتها وجعلتها تتراجع للصفوف الخلفية.
وبداية وبغض النظر عن المشاهد التي نفذها رئيس الوزراء الإسرائيلي «بنيامين نتانياهو» باحترافية مفتعلة في عرضه امتلاك إيران لبرنامج نووي عسكري، إلا أن طهران وبتصرفاتها العدوانية أعطت الكيان الصهيوني السلاح الذي يستطيع من خلاله، ليس ضرب إيران فحسب ولكن فرض هيمنته وسياساته التوسعية في المنطقة، فنتانياهو.
وكما هو واضح للقاصي والداني، عرف كيف يستفيد من الاتهامات المتتالية والمتصاعدة ضد إيران لدورها في تأجيج الصراعات في المنطقة بدلاً من السعي لتهيئة الأرضية المناسبة لتشجيع الاستقرار والسلام في ربوع الشرق الأوسط.
الواقع أن إدانة التصرفات السياسية لطهران ليست بحاجة لاستعراضات نتانياهو وتصريحاته، فهي واضحة وضوح الشمس لكل ذي عينين.
على أي حال تصريحات نتانياهو ليست هي النقطة المحورية ولكنها تفصيلة هامشية من تفاصيلها، أهميتها فقط في التصاقها بتطورات خطيرة بالفعل ترتبط بالملف النووي الإيراني الملتهب بفعل عاملين أساسيين، الأول يتمثل في توجهات الرئيس الأميركي ترامب الذي نقض على وجه التقريب معظم سياسات واتفاقات والتزامات سلفه الديمقراطي باراك أوباما ومن بينها موقفها تجاه القضية الفلسطينية.
أما الثاني فيتمثل من دون شك في السياسات الإيرانية التوسعية في المنطقة والتي أثارت بتدخلاتها التخريبية في دول المنطقة حالة من عدم الاستقرار والتوتر، بل والدمار في أكثر من دولة عربية، من البحرين حتى المغرب، أي من الخليج إلى المحيط.
والواضح تماما أن نتانياهو - وكما هي عادة إسرائيل في تلك المناسبات - قد تعامل مع الموقف بانتهازية شديدة في ركاب الموقف الأميركي المتصاعد ضد طهران، ويتجلى ذلك في الربط المفتعل من جانب نتانياهو للأزمتين الإيرانية والكورية الشمالية.
حيث استبق الأحداث في الثانية، معتقداً أن بيونغ يانغ قد استسلمت بالفعل وأنها تخلت عن برنامجها النووي بعد ضغوط عنيفة من واشنطن والمجتمع الدولي، مطالباً بتكرار النموذج ذاته مع إيران لإجبارها على التخلي تماماً عن برنامجها النووي.
وليت نتانياهو قد امتلك شجاعة الرئيس الكوري الشمالي الذي أطلق تعهداته بنشر السلام في شبه الجزيرة الكورية ونزع أسلحتها النووية، إلا أن نتانياهو، وكما هو واضح، يتحدث بلغة فوقية لا تخلو من عنجهية وغطرسة لترتيب أوضاع المنطقة بالكامل لمصلحة إسرائيل وحدها، فلم يتطرق من قريب أو بعيد لبرنامج بلاده النووي.
ولم يتعهد بالكشف عنه، ولم يتحدث عن نزعه مقابل سريان حالة سلام حقيقية في الشرق الأوسط، ولعل رد الفعل المباشر الذي جاء من المجموعة العربية في جنيف كان أبلغ تعبير عن ذلك حيث طالبت بضرورة نزع أسلحة الدمار الشامل من المنطقة.
وليس بعيداً عن ذلك، وعلى خلفية تلك التطورات الخطيرة تأتي الذكرى السبعين لاغتصاب فلسطين بتطور جديد ربما هو الأخطر منذ ذلك التاريخ، حيث يترقب الكثيرون تطورات منتصف الشهر الجاري بعد تدشين نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس بعدما اعترف بها قبل أشهر قليلة عاصمة «أبدية» للدولة الصهيونية، ومع التسليم الكامل بأن «للقدس رب يحميها» .
إلا أن هذه الخطوة ستفتح أبواب الجحيم في المنطقة، ومن المنتظر سقوط المزيد من القتلى وسريان الكثير من الدماء وانتشار الخراب والدمار، نتيجة قرارات ستضع المنطقة بأكملها ولفترات طويلة فوق أتون مشتعل، لتدفع بذلك ثمناً باهظاً للسياسات الإسرائيلية والإيرانية معاً.