إن الريادة ليست أماني لكنها تنبع من رؤية واضحة ترى الهدف وتعرف الطريق إليه، لكن ذلك لا يغني عن إرادة الفعل، والصبر على العقبات والتحديات، وتجميع القوى، وشحذ الهمم، والإيمان بقوة الفكرة، ثم القدرة على التعامل مع كافة المعضلات التي تواجه المسيرة، والقدرة على إيجاد الحلول ورسم الخطط البديلة، كما أن الريادة لا تتحقق بتوافر الموارد المادية فحسب لكنها تتطلب إيماناً راسخاً بالقدرة على تحقيق الإعجاز مهما كانت الموارد، وأن الإنسان في القلب من تلك المهمة، وهو المعظم لتلك الموارد.

أقول هذا لنفسي والأجيال الجديدة التي ترى راية الوطن تعانق ما بعد السحاب، وهي ترفرف وسط النجوم، لكي نعلم الدرس ونستخلص منه الحكمة، على مستوى الأفراد والأسر والمجتمع كل في مكانة، إن رحلة الإمارات إلى العلا والتي لم تنتهِ بعد وستظل تفتح آفاقاً جديدة نرتادها بثبات، لذا فإن نجاح مهمة القمر الصناعي «الياه 3»، بعد النجاح الكامل للاختبارات اللازمة لتشغيل خدمات القمر الصناعي، ليصبح الآن جاهزاً لدعم تفعيل الخدمات التجارية التي تقدمها «الياه سات»، لهو إنجاز مستحق للمنهج العلمي في التعامل مع مفردات العصر وكذلك لأبناء الإمارات، كما أكد ذلك صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم أنه إنجاز جديد لشباب الإمارات.. ولدولة الإمارات.. نجاح إطلاق القمر الصناعي «الياه 3» بمشاركة إدارة إماراتية للمشروع. أبناء الإمارات اليوم يعانقون نجوم السماء إنجازاً وطموحاً وأداء.. هكذا أرادهم زايد.

وأتوقف عند تغريدة سموه عند «هكذا أرادهم زايد» بما تحمله من دروس، ومعان، ودلالات. الدرس الأول أن الريادة مسيرة ممتدة عبر عقود، غرس، زايد الخير، بذرتها ورعاها ورواها ومن خلفه بالعرق والجهد حتى تحققت، فطوبى لمن أسس، وطوبى لمن نمى، وطوبى لمن جعل الأماني والأحلام حقائق.

إن تأكيد سموه على أن "هكذا أرادهم زايد" لهو دلالة على أن مسيرة الإمارات واضحة جلية تخرج من مشكاة واحدة، هي مشكاة العمل والتحدي والإنجاز والانطلاق الذي لا يعرف توقفاً للوصول إلى أكبر الغايات وأعظمها مهما كانت الصعوبات، ثم إن أبناء الإمارات سيظلون في القلب من تلك المسيرة، وأن الاستثمار في الإنسان، ذلك النهج الذي رسخه زايد الخير، رحمه الله، والذي عول عليه وسار على دربه الخلف، كان نابعاً من إيمان عميق بأن الإنسان قبل الإمكانات المادية، وأنه هو صانع التطور، وهو قطب الرحى فيه، والشاهد أن كوادرنا الوطنية أشرفت على كافة المراحل الحيوية للمشروع، بما في ذلك تصميم وبناء وإطلاق القمر الصناعي.

كما أن نجاح إطلاق القمر الصناعي، وانعكاسات ذلك على ما سيقدمه من تطوير لقطاع الاتصالات للمنطقة كلها، ليؤكد أن الاستثمار في التكنولوجيا وعلوم المستقبل بات أمراً لا يمكن تجاهله، وبخاصة أنه المساهم الأعظم في الدخل القومي لكافة دول العالم المتقدم.

وإذا كان مفهوم قوى الدول مفهوماً تكاملياً بين أدوار وإمكانات وقدرات مختلفة فإن قوى الاتصال والمعلوماتية باتت من أهم أدوات القوة الناعمة للدولة، لذا فإن نجاح مهمة القمر الصناعي «الياه 3» يمثل إضافة إلى قوة الدولة الناعمة، وبخاصة أنها تأتي في إطار استراتيجية توسيع نطاق الاتصالات لتصل إلى ما يقرب من 19 دولة إفريقية، لذا فإن هذا الدور الرائد سيكون له انعكاساته على التطور، وبخاصة أنه من الصعب الحديث عن التطور الاجتماعي أو الاقتصادي بعيداً عن الدور المحوري لقطاع الاتصالات في الدفع به وإيجاد حلول مبتكرة لكثير من المعضلات، وبخاصة أننا أصبحنا نعيش في عصر يتعاظم فيه دور المعلومة ووقت الحصول عليها في اتخاذ قرارات جوهرية في مختلف المجالات، واقتناص فرص غالية لا يمكن أن تتحقق من دون وجود نظام اتصالي فاعل.

إن رحلة الريادة التي بدأتها الإمارات منذ تأسيس دولة الاتحاد تتميز بأنها ذات مراحل واعية وقوية، ضربت بجذورها في عمق الأرض، فترسخ البنيان وزاد البيت وحدة وتماسكاً، ثم راحت تعمل في مسيرة البناء، لكنها لم تتوقف دون الوصول إلى الرقم واحد في كل ما قامت به، ولما تأكد لها ذلك كان الفضاء هو الغاية والهدف للحفاظ على المكتسبات وفتح آفاق جديدة إلى العلا.