يجئ الصيف ومعه الإجازة الصيفية لأبنائنا، سواء في المدارس أو الجامعات، التي بدأت بالفعل في معظمها، وهنا يكون المشهد الغالب في البيوت، نجد كل منهم يعيش عالماً خاصاً به، منقطعاً عن غيره، من خلال متابعة مضامين قد لا يحيط بها الوالدان، أو يحادث آخرين لا يعرف حقيقتهم، أو يمارس ألعاباً في عالم افتراضي، والنتيجة هي أوقات ثمينة تكون في مهب الريح.

هي بالفعل أوقات ثمينة لأنها جزء من حياة كل فرد منا، ولأن حياتنا وحياة أبنائنا غالية فبعضها جزء من كل، ولذا فإن أي جزء منها له أهميته، لأن الوقت هو حياتنا، كما أنه قيمة غير متجددة، وما يضيع منه لا يمكن لأحد كان ما كان أن يسترجعه، لذا فهو الغنيمة التي قال عنه الرسول الكريم، صلى الله عليه وسلم، حين أوصانا أن نغتنم خمساً قبل خمس، منها شبابك قبل هرمك، وفراغك قبل شغلك.

وبنظرة متأنية لا يجب أن يكون في حياة أبنائنا وقت ضائع، لأن الوقت ثروة لا ينبغي أن تبدد حتى لو كانت تبدو وقتك الخاص، فذلك لا يعني أنه يحق لك أن تضيعه، لأنك جزء غال من ثروة وطن يعول عليه الكثير، ويستثمر فيه تعليماً وحياة كريمة، وينتظر ما يقدمه حين يكون نداء الواجب في تحمل المسؤولية وحمل الراية، هنا يكون أي تفريط تم في التعامل الرشيد مع الوقت المتاح وإدارته بما يساعد على ترقية الفرد وتنميته وإعداده وتطوير مهاراته هو تفريط في حق أصيل من حقوق الوطن وثروة هي أغلى وأهم ما يملكها.

وفي تقديري أن إدارة أوقات أبنائنا، خلال الإجازة الصيفية، ليست مسؤوليتهم فحسب ولكن يجب أن يكون للمدرسة دور في عملية المشاركة بإتاحة آفاق يمكن أن تساعدهم في الاستفادة المثلى من الإجازة الصيفية قبل بدايتها، من خلال عملية تنقيب عن الهوايات والمهارات التي يتميزون بها، وإتاحة الفرصة لهم عبر برامج محددة لتنميتها والكشف عن غيرها، يأتي هذا في إطار الدور التربوي التي تعنى المدرسة به.

كما أنه ينبغي للأسرة أن تشارك أبناءها في وضع خطة تساعدهم على قضاء الإجازة الصيفية، من خلال الجمع بين الترفيه وبين الإعداد لمقبل الأيام، من اكتساب مهارات جديدة يحتاج إليها، لكي يستطيع أن يكون له دور فاعل في عالم يتحرك بوتيرة غير مسبوقة، والمنافسة فيه لن تكون لمن يحمل عدداً أكبر من الشهادات بقدر ماهي مهارات نوعية أكثر، وقدرة على التعامل مع التحديات وحل المشكلات وإدارات الأزمات، والقدرة على التفكير الابتكاري.

إن مؤهلات التوظيف في كبرى الشركات العالمية والشروط التي تتطلبها لم تعد الشهادات بقدر ماهي القدرات التي يتمتع بها والمهارات المكتسبة، وهذا هو الأمر الفاعل والمؤثر في إحداث التطور والتقدم والدفع بعجلة التنمية إلى الأمام. والشاهد أن وكالات عالمية تعلن عن وظائف بمداخيل كبرى، منها مشغل المفاعلات النووية وقيادة الطائرات التجارية، كما أن شركة مايكروسوفت أعلنت عن توافر عشرين ألف وظيفة لا تشترط الحصول على الشهادات.

إننا نعيش عصراً يتطلب تنمية ذاتية وتطويراً دائماً للمهارات والتعامل مع التكنولوجيا الحديثة، إن تشخيص الأمراض لم يعد يعتمد على خبرة الطبيب فحسب بقدر ما يعتمد على قدرته في التعامل مع الأجهزة الطبية بتكنولوجيتها المعقدة، التي تعينه وتوضح له القياسات الدقيقة، والتي تبين له مكان وطبيعة المرض وحجمه بدقة شديدة، كما أن طالب الإعلام لن يجد له مكاناً من دون أن يمتلك مهارات عدة، والقيام بمهام مركبة في وقت واحد، إن مشهد الطفل أو الأب أو الأم التي تمسك كتاباً بيديها خلال استقلال القطارات هو المشهد المألوف في غالب البلاد المتقدمة.

إن إجازة الصيف سواء في المدارس أو الجامعات، والتي نطلق عليها عطلة، لا ينبغي أن تكون معطلة لأبنائنا، حتى أوقات الترفيه فيها، الذي يؤدي وظيفة مهمة هو التسرية عن النفس، استعداداً للقيام بعمل جاد ومهم في مسيرتهم الحياتية، باعتبار أن الترويح والترفيه أمران مهمان حتى نستطيع المواصلة، ولا يكون الترفيه للترفيه فحسب، إن التعامل مع إجازات أبنائنا كفرص للتهيئة والإعداد لن يجعل منها وقت فراغ لكنها ستكون بلا شك أوقات ثمينة.