سلوك لم نعتد مشاهدته في مجتمع الإمارات، ولا نستطيع أن نطلق عليه ظاهرة، أو حالة عامة، أو حتى الحكم بأنه متكرر، وهذا هو السبب في تلك الحالة من الاندهاش والاستغراب والرفض، وإن شئت قل الصدمة عند الذين شاهدوا مقطع الفيديو الذي يظهر عدداً من طلبة مدارس في التعليم الأساسي يتلفون أثاث مدرستهم، الأمر الذي يعد دخيلاً علينا وعلى أبنائنا، وهو الأمر الذي دعا كذلك كل الجهات وفي مقدمتها وزارة التربية والتعليم إلى الإعلان عن فتح تحقيق يتم على أثره مواجهة المدانين منهم بعقوبات رادعة وفقاً للوائح المعمول بها، وهذا إجراء مهم، غير أنه في تقديري يحتاج إلى دراسة وتوقف أبعد من تطبيق اللوائح والقوانين باعتباره تم من طلبة مدارس، وكذلك يتعلق الفعل بالمدرسة التي هي المكان المنوط به المشاركة في تهذيب السلوك وترقية الفكر لكي ينعكس ذلك على سلوكهم المجتمعي، وهو الأمر الذي يستحق التوقف لنعرف الخلفيات، ونحدد الأسباب، ثم لنتكاتف جميعاً لنحول بين تكرار هذا السلوك وتحوله إلى ظاهرة.
إن غياب دور الأسرة والرعاية الواجبة والحديث بين الوالدين وبين الأبناء له دور كبير في مثل هذا السلوك، وبخاصة أن المدرسة في مراحلها الأولى هي البيئة التالية للتعامل مع الطالب بعد الأسرة مباشرة في وقت تكون فيه كل العوامل الفاعلة في تشكيل شخصية الفرد لم تكتمل بعد، ومن ثم فإن غياب دور الأسرة فتح الباب على مصراعيه أمام عوامل أخرى لتشكيل شخصية الطفل، ومنها لا شك تلك الألعاب الإلكترونية التي وصل التعامل معها إلى حد الإدمان، والتي باتت مصدراً مهماً في تشكيل وجدان الطفل في غياب المنوط بهم القيام بهذا الدور وهما الوالدين، ولا شك أن كم العنف في هذه الألعاب له تأثيره، حتى وإن كان على سبيل التسلية، يجعل مشاهدته والتعامل معه أمراً مألوفاً، ولأن الأطفال في هذه السن يميلون إلى المحاكاة، فإنهم بعد فترة وجيزة يتحولون من المشاهدة إلى التقليد، وهنا تأتي الخطورة الشديدة في ظل غياب شبه كامل من المراقبة على المضامين التي يمكث أبناؤنا لساعات أمامها، بل قد نحضرها نحن بأنفسنا إليهم ما دام أن ذلك يسعدهم ولا يسبب إزعاجاً لمن حولهم، غير أن الأمر يتحول بعد ذلك إلى أخطاء في حق المجتمع بأكمله.
فمن الأهمية بمكان النظر إلى طبيعة العلاقة بين المدرسة وطلابها، هل المدرسة ما زالت قادرة على أن تكون مكاناً محبباً للطالب، هل ما زالت قادرة على أن توفر بيئة مواتية وجاذبة له ومواتية لكي يمارس هواياته وينفث عن طاقاته واكتشاف مواهبه، في تقديري أن بعض الإدارات المدرسية غاب عنها الدور التربوي الواجب عليها القيام به من بناء شخصية الطالب، وكذلك إيجاد بيئة مبدعة قادرة على الاستقطاب، كذلك هناك إهمال في أحيان كبيرة في الاهتمام بالأنشطة غير الصفية، وهي المكملة بفاعلية للدور التربوي، بل أصبحت هذه الأنشطة في بعض المدارس باباً من أبواب التربح وإضافة المزيد من الأعباء على كاهل الأسرة في المدارس الخاصة على وجه الخصوص، إن العلاقة بين الطالب ومدرسته يجب أن تكون في إطارها الصحيح، الأمر الذي يحول دون ظهور هذه السلوكيات الشاذة والغريبة علينا.
والطرف الثالث والمهم في هذه المعادلة هو المدرس والعلاقة التي تربطه بالطالب، وكيف أن هذه العلاقة أصابها شروخ كثيرة نتيجة لتغول الدروس الخصوصية وإحساس الطالب بحالة من الاستغناء، وأن تلك الدروس هي الأساس الذي يعتمد عليه، وأن تواجده في المدرسة لا يعدوا عند البعض سوى تمرير للوقت، وتحت ضغط عدد الحصص الدراسية المكلف بها أسبوعياً، وملء فراغات الجدول، لم يعد المعلم قادراً على إيجاد الوقت والطاقة لكي يقوم بعملية الإرشاد السلوكي، في الوقت الذي غابت فيه وظيفة المرشد الاجتماعي أو النفسي التي كانت موجودة في كل مدرسة، وإذا وجدت تجده يقوم بأدوار بعيدة عن المهمة التي يجب أن يقوم بها.
في تقديري أن الطالب الذي يقوم بنفسه، كما في الكثير من دول العالم، بتنظيف فصله والحفاظ على مدرسته والقيام بأنشطة تدعم انتماءه للمكان الذي يدرس فيه لن يقدم يوماً على إتلافه أو التلاعب بتجهيزاته، لذا فإن القضية لا تتوقف ولا يكفي فيها الاعتماد على اللوائح رغم أهميتها أو خصم درجات السلوك لكنه يحتاج إلى عمل كبير وشامل ومستمر.