من المؤكد أن فواتير الحماقات التي يرتكبها النظام القطري سوف تكون باهظة للغاية. مشهد الأسبوع الماضي من الأزمة الطاحنة التي يمر بها نظام أردوغان في تركيا يقول ذلك بكل وضوح!!

بضعة سطور في صحيفة تركية قريبة من أردوغان تعبر عن استياء الرئيس التركي من عدم تحرك النظام القطري سريعاً لدعمه في أزمته، كانت كافية لأن يهرع تميم بن حمد إلى تركيا مقدماً فروض الطاعة، ومعها 15 مليار دولار ودائع واستثمارات في محاولة وقف انهيار الليرة التركية!!

إنها فاتورة واحدة من فواتير عدة يدفعها النظام القطري ثمناً لحماقاته التي أخرجته من الأسرة الخليجية، ووضعته في وضع المتآمر ضد الدول العربية، وألقت به في أحضان تنظيم الإخوان الإرهابي. وكل الأنظمة المعادية للعرب!!

حين تكون قابعاً في قصرك، محتمياً بآلاف الجنود الأتراك الذين جاءوا ليحموك من شعبك. فأنت لا تملك إلا أن تدفع صاغراً فواتير الحماية من أموال الشعب المهدرة، ومن سيادة البلد المخطوف!!

وحين ترغم الأشقاء على اتقاء شرورك، ثم تمعن في السير في طريق الخطيئة فلابد أن تجد نفسك في النهاية ضائعاً وسط التناقضات، فتكون النتيجة أن تكون في صف واحد مع إرهاب الإخوان والدواعش من ناحية، وإرهاب ميليشيات عملاء طهران من ناحية أخرى!!

يدفع النظام القطري فواتير حماقاته وتآمره منذ أكثر من عشرين عاماً. يهدر أموال شعب قطر في مغامراته التي يتصور أنها ستزيد أهميته منذ أن استولى «حمد وحمد» على السلطة في انقلابهم الشهير، لكن الأمر كان يختلف عما آل إليه اليوم!!

كان النظام القطري وحلفاؤه يعملون جميعاً لخدمة المخطط الكبير لنشر الفوضى في الوطن العربي وإسقاط الدولة الوطنية، تمهيداً لإعادة تخطيط المنطقة وفقاً لمصالح أعداء العرب. ورغم الخلافات الظاهرية بين العملاء الصغار والكبار العاملين لخدمة هذا المخطط، فقد كان الهدف واحداً وإن اختلفت الطرق.

لم يكن هناك فارق في العداء للعرب «في الخليج أو سائر الوطن العربي» بين ميليشيات الإخوان والدواعش، وبين ميليشيات الحرس الثوري الإيراني.. وكلها كانت تتخذ من الدين ستاراً لنشر الفتنة وتمزيق الأوطان وإسقاط الدول، وإغراق العالم العربي في الحروب المذهبية والطائفية.

وفي ظل هذه الأوضاع كان النظام القطري يؤدي دوره، ويدفع ما عليه من فواتير. لكن التكلفة لم تكن كما هي اليوم. النظام الإيراني أيضاً يتحمل عبء مد النفوذ من قوت الشعب الإيراني المغلوب على أمره، ومما يتيسر نهبه من ثروات العراق ومن أموال المخدوعين.. وكان تنظيم الإخوان يبني إمبراطوريته المالية، ويتشارك مع النظام القطري في تمويل عمليات نشر الفوضى والدمار ومحاولة إسقاط «الدولة الوطنية» في العالم العربي.

الآن.. تغيرت الأوضاع، وتصادمت مصالح كثيرة بين حلفاء الأمس. سقطت الأقنعة وأصبح اللعب على المكشوف. تغيرت سياسات القوى الكبرى ودخلت المنطقة كلها «ومعها العالم بأسره» إلى مرحلة جديدة وأتيح للنظام القطري أكثر من فرصة لكي يتوب عن خطاياه، لكنه ظل سادراً في غيه، سائراً إلى مصيره المحتوم.

أسقطت مصر نظام الإخوان الفاشي من الحكم، لم يدرك النظام القطري أن سقوط الإخوان يعني سقوط المخطط التآمري على الأمة العربية بكامله.

وفي الوقت الذي كانت فيه الإمارات تسارع مع السعودية لدعم ثورة شعب مصر، كان النظام القطري يواصل التآمر على الشقيقة الكبرى، ويستمر في دعم عصابات الإرهاب الإخواني في مصر، كما يستمر في دعم التآمر الإخواني على شعوب الخليج العربي رابطاً مصيره بمصير جماعات الإرهاب حتى بعد أن سقطت عنه كل الأقنعة.

وكانت قرارات المقاطعة من الدول العربية الأربع رسالة نهائية للنظام القطري، لكي يعود للطريق القويم ويتوقف عن دعم الإرهاب والتحريض على الدول الشقيقة، ودعم مخططات الأعداء.. لكنه أبى واستكبر، ولم يفهم أن الفواتير المالية والسياسية لحماقاته التي لم تتوقف ستكون أكبر من طاقته..

يعرف النظام القطري أن أزمة تركيا ليست أزمة طارئة، ويعرف النظام القطري أن الحليف الآخر في طهران يمر بالظروف نفسها، وأن عليه أن يستعد لسداد فواتير أخرى على الجانب الآخر من الخليج، ويعرف النظام القطري أن الفواتير السياسية ستكون أكثر فداحة.

لم يعد ممكناً اللعب على كل الحبال. ولم يعد ممكناً الاحتماء بأنظمة تخوض معاركها الذاتية من أجل البقاء. ولم يعد ممكناً استمرار السير في ركاب جماعة الإخوان وهي في طريقها للإدراج رسمياً في كشوف الإرهاب لدى أميركا وأوروبا.

ولم يعد ممكناً أن يتحمل شعب قطر الشقيق المزيد من الفواتير الباهظة، ثمناً لحماقة حكام تآمروا على الأشقاء، وخانوا العروبة، وتحالفوا مع أحط عصابات الإرهاب الإخواني، والتمسوا النجاة عند أعداء الأمة.