كثيرة هي تصرفات الرئيس الأميركي دونالد ترامب منذ وصوله إلى السلطة في نهاية عام 2016 إلى الآن التي يظهر منها عدم رضاه للتعاملات السياسية القائمة سواء بين الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها الأوروبيين مثل بريطانيا وألمانيا وفرنسا أو بين باقي الدول وبعضها، وبالتالي فهو يسعى وبإصرار إلى إعادة تشكيلها بما يتوافق والفكر السياسي لما يعتقده، لأنه ـ حسب تصريحاته ـ هو وضع خاطئ ويقع ثقله الأكبر على الولايات المتحدة خاصة في ناحية حفظ الاستقرار والأمن الدوليين.

الدلائل كثيرة لتعبير ترامب على إصراره لتصحيح الوضع الدولي الذي يسمح له أن يكون مصلحة بلاده هي أولاً (والتي تجد معارضة كبيرة كون أن وضع الولايات المتحدة يفترض أن يتعدى دولته إلى النظام الدولي) بل أصبحت «مزاجيته» في اتخاذ القرارات هي الأكثر شيوعاً في كل مواقفه السياسية التي ما زالت تغريداته هي النافذة الأولى لها وبات الجميع في انتظار أي موقف غير طبيعي منه، خاصة بعد كل اجتماع دولي على مستوى الأمم المتحدة.

ووفق ذلك، فإنه يبدو للكثيرين أن الاستقرار الدولي بمفاهيمه المختلفة، السياسية والاقتصادية والتجارية، بدأ يتآكل لأن الولايات المتحدة ـ الدولة القائد - لم يعد تركيزها على المهمة الدولية في التعامل مع الآخرين وأصبحت المصلحة الاقتصادية هي الأولى وهذا ما يبرر استعداد الإدارة الحالية في التعامل مع دول تتنافس وتختلف معها أيديولوجياً مثل روسيا والصين بشكل أفضل من دول الاتحاد الأوروبي التي كانت تشكل مع الولايات المتحدة باعتبارها نظاماً يحمل رسالة إنسانية دولية.

في أحيان كثيرة وكمعالجة لموقف غير مرغوب من الرئيس دونالد ترامب وشطحاته إما يقوم بحذف تغريدته أو خروج مسؤول أميركي لتصحيح الموقف، آخرها تصريحه عن استعداده للاجتماع مع مسؤولي النظام الإيراني ولكن خرج وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، موضحاً بأن الوقت لم يحن لعقد أية اجتماعات مع مسؤولي النظام الإيراني.

لأن بعض تلك المواقف ستكون آثارها كبيرة على استراتيجية إدارته خاصة في الداخل الأميركي الذي بدأ يستعد للفترة الثانية للانتخابات الرئاسية له، التي عادة ما تكون الفترة الأكثر «انفلاتاً» لأي رئيس في اتخاذ قراراته الدولية لأنه يريد أن يترك بصمة له.

ومن المفيد في سياق الاستعداد للفترة الثانية للرئيس ترامب أن يكون ذهن سياسيي العالم حاضراً لأنه وفقاً للمحطات الرئيسية للإدارة الحالية فإنه ينبغي ألا ننتظر هدوءاً أو بالمعنى الأدق خيراً خلالها، لأن تصرفات ترامب التي عرفت «بالظاهرة الترامبية» تبدو مع مرور الوقت أنها أكثر تعقيداً مما خيل للبعض.

خاصة عندما تتصادم مع الفكر السياسي القريب منه وهي «الشعبوية» كما في حالتي تركيا وإيران، فتجد الصعوبة واضحة في التعامل من خلال تصعيد كل طرف ضد الآخر مما ينبغي التوقف عند انعكاساتها المحتملة ليس على الاستقرار الداخلي للدولتين.

ولكن على الاستقرار والأمن الدوليين على اعتبار أن الأمر يحتاج من أحد الطرفين أن يتصف بالعقلانية وبما أن الطرف الأميركي حدد موقفه مسبقاً ليس على الدولتين ولكن في ناحية استعادة موقفه الدولي، فإن الطرف الآخر عليه أن يستخدم ما يعرف بدبلوماسية «شعرة معاوية» أو التهدئة، ولكن على عكس ما يبدو أن الصدام العلني بين الولايات المتحدة والدول ذات الطبيعة الشعبوية متصاعداً.

الصين وروسيا اليوم هما الأكثر فهماً في التعامل مع الظاهرة الترامبية ويحقق فهمها مكاسب سياسية واستراتيجية أكثر ربما لأن الطرفين الصيني والروسي أكثر هدوءاً وثقة من ترامب في فهم تفاصيل السياسة الدولية وتعقيداتها، وأن المسألة ليست كلها «صفقات»، أما الأكثر خسارة في التعامل مع الإدارة الأميركية الحالية كما تبدو النتائج هما إيران وتركيا لأنهما يتعاملان مع الاختلاف الدبلوماسي وفق انفعالات ترامب السياسية التي يضبطها عادة وزير خارجيته المحنك بومبيو، وليس إدارته التي لها وجهة نظر متفقة مع خطر الدولتين.

إيران وتركيا أكثر دولتين سوف تواجهان معضلة كبيرة في التعامل مع الرئيس دونالد ترامب إن تم انتخابه للفترة الثانية، وبالتالي من شأن هذه المعضلة أن تؤزم العلاقات الدولية مع الدولتين خاصة ومعهما الدول القريبة منهما.