تعقد الدورة الجديدة للجمعية العامة للأمم المتحدة في ظل ظروف عالمية هي الأسوأ في الغالب منذ إنشاء المنظمة الدولية عشية إعلان نهاية الحرب العالمية الثانية، الأمر الذي يجعل منها دورة ذات طبيعة استثنائية وسط كرات متدفقة من النيران المتأججة والأزمات الساخنة.

بكل تأكيد العالم لم يكن يوماً على مدى القرون الماضية إلا ساحة للصراعات اللا محدودة والحروب الطاحنة والأزمات العميقة بما يترتب على ذلك من قتل ودمار وخراب وتهجير ومآس إنسانية، إلا أن الأزمات الساخنة التي يشهدها العالم في الوقت الراهن تؤكد أنه يعيش واحدة من أسوأ فتراته، إن لم يكن أسوأها على الإطلاق، ولعل نظرة واحدة على خريطة العالم تكشف عن تلك الحقيقة بوضوح وبلا مواربة أو أي محاولات للتجميل.

منطقة الشرق الأوسط وحدها تكتوي بأكبر عدد من الحروب والأزمات الملتهبة التي تهدد الأمن والسلم الدوليين لتشابك المصالح العالمية لأطراف دولية عديدة من ناحية فضلاً عن أهميتها الاستراتيجية الكبرى من ناحية أخرى، وينافسها في ذلك صراعات أخرى في آسيا وإفريقيا وأميركا اللاتينية، وكذلك في أوروبا إضافة إلى القضايا النوعية والفنية الأخرى التي تضرب العالم بأكمله كالإرهاب والهجرة اللاشرعية والانبعاثات والفقر والحروب التجارية.

ولنتأمل الخريطة العالمية في هذا الشأن؛حرب أهلية طاحنة في سوريا، صراع سياسي مسلح ومعقد في ليبيا، حرب شاملة على تمرد الحوثيين المدعوم إيرانياً في اليمن، تفاقم الاضطرابات السياسية والأمنية في العراق استمراراً لتداعيات الغزو الأميركي عام 2003، وضع سياسي معقد في لبنان نتيجة الظروف الإقليمية والداخلية المتشابكة وتنذر بمخاطر جمة عند اندلاع مستصغر الشرر، تصاعد الأزمة القطرية، عودة الأزمة الإيرانية إلى المربع الأول، توتر أمني وسياسي دائم بين الجزائر والمغرب بسبب إقليم الصحراء الغربية، حرب في جنوب السودان واستمرار الحرب الأهلية في الصومال، توتر بالغ ومتذبذب في العلاقات المصرية- السودانية – الإثيوبية حول قضية المياه بشكل عام وسد النهضة بشكل خاص وسط توتر أوسع في منطقة القرن الإفريقي..

الحرب الأفغانية لاتزال مستمرة وسط مشاهد دموية، أزمة أوكرانيا وانفصال القرم مازالت تخيم على أوروبا التي غرقت في أزمات أخرى تمثل تهديداً أمنياً حقيقياً لها على غرار البريكست البريطاني والخلاف الحاد على التصدي لمشكلة الهجرة العشوائية أو الغير شرعية، والمواجهات الساخنة عبر الأطلنطي بين واشنطن من جانب ودول العالم على الجانب الآخر نتيجة قرارات واشنطن تجاه مختلف القضايا العالمية، وهي التي أشعلت حالة من التوتر الحاد بداية من الحرب التجارية المتصاعدة وصولاً إلى قضايا المناخ وتفكيك المؤسسات الأممية النوعية والتربص بعديد من دول أميركا اللاتينية لإسقاط أنظمتها ومن بينها فنزويلا التي ضربتها هي ودول أخرى في المنطقة سلسلة من الأزمات الاقتصادية الطاحنة وصلت إلى حد إشهار الإفلاس وتهدد بانهيارات سياسة متتالية..

ويتبقى الصراع الأهم الذي يؤرق العالم منذ نحو قرن من الزمان بلا بارقة أمل في الحل أو التسوية وهو الصراع العربي – الإسرائيلي وفي القلب منه بكل تأكيد المسألة الفلسطينية، هذا الصراع على وجه التحديد صبت في نهره الكثير من المياه العكرة مابين دورتي الجمعية العامة 2017 و2018، وجميعها يعكس ظواهر سلبية تعود بهذا الصراع سنوات طويلة للوراء وتهدد بانفجارات أمنية لا يستطيع أحد التكهن بتداعياتها المقبلة جراء خطورتها، بداية من إسقاط اتفاقيات أوسلو ونسف حل الدولتين، مروراً بتكثيف الاستيطان ومصادرة الأراضي والممتلكات الفلسطينية ولجم المؤسسات والهيئات الأممية الداعمة للحقوق الفلسطينية مثل اليونسكو والأونروا، وصولاً إلى ما هو أخطر بقرارات واشنطن الصادمة باعتبارالقدس عاصمة أبدية لإسرائيل ونقل السفارة الأميركية إليها وصدور قرارات تهويد القدس بالتوازي مع قانون «الهوية اليهودية» للكيان الصهيوني، كل هذه التطورات صبت الكثير من الزيت على النيران المتأججة بالفعل خلال عام واحد وتجعل الصراع مرشحاً لمراحل أخرى من التصعيد والقتل والدمار..

وبينما لاتزال ضربات «داعش» والتنظيمات الإرهابية الأخرى في فلكه أو خارجه جاثمة على أنفاس العالم وتهدد بمزيد من الاعتداءات المكدرة للسلم والأمن الدوليين، تستمر ظاهرة الازدواجية الدولية في التعامل مع تلك الظاهرة مما يضعف الموقف العالمي في التصدي لها برغم تمددها في معظم بقاع العالم وبما يهدد الجميع، وفي ظل تلك الظروف المختلفة تماماً عن سابقاتها تعقد الدورة الجديدة للجمعية العامة للأمم المتحدة وسط اتهامات متصاعدة بعجزها عن التصدي لقضايا العالم ومن بينها تصريحات الرئيس الأميركي بفشلها أوعجزها أوعدم كفاءتها برغم إمكاناتها الكبيرة..تلك الاتهامات أوالتصريحات هي في حقيقتها ظاهرة متكررة ومعلومة للقاصي والداني.