منذ بداية أزمة مقتل جمال خاشقجي، وإيران تتحاشى التعليق واتخاذ المواقف الرسمية، وإن كانت وسائل إعلامها جعلت الحادثة مادة يومية يشاهدها الملايين على موائد العشاء على تلفزيونها الرسمي. التعليق الذي سمع من طهران، نفضل أن ننتظر ونرى، ولم يكن رد الإيرانيين تجاه السعودية، مثل الأتراك، عدائياً بل تركوا الباب موارباً.

هل محاصرة السعودية في الزاوية تخدم إيران؟ بالتأكيد، خاصة أن قرار العقوبات الخطيرة على إيران، بمقاطعة نفطها وحرمانها من التعاملات المصرفية بالدولار يبقي على تنفيذه أقل من أسبوعين.

في طهران يعتبرون الأزمة والهجمة التركية على السعودية هدية من السماء ويبتهلون إلى الله في أن تمنحهم واحدة من ثلاث أمنيات، إما أن تتراجع واشنطن عن حصارها إيران اعتقاداً بأنه من الصعب إدارة المعركة وإنجاحها في الظروف المتوترة الحالية. والأمنية البديلة أن الرياض هي التي تتخلى عن دعم مشروع إدارة دونالد ترامب بمواجهة إيران وبالتالي التخلي عنه وتركه يفشل تلقائياً.

والثالثة، أن تغير الأزمة ميزان القوى الإقليمي مع إضعاف الجبهة السعودية، وبالتالي حتى لو استمر حصار إيران يمكنها إكمال مشروعها بالهيمنة الإقليمية، العراق وسوريا ولبنان واليمن، الذي سيجبر الأميركيين في الأخير على التعامل مع نظام خامنئي.

بالنسبة للرياض، العلاقة مع الولايات المتحدة استراتيجية مهما أصابها من وهن أو خلاف، وكان آخرها تداعيات هجمات الحادي عشر من سبتمبر ورفض السعودية التعاون مع الغزو الأميركي في العراق، الذي منح إيران فرصة كبيرة لتكون طرفاً مهماً وطور من العلاقة بين طهران وواشنطن على حساب الرياض حينها.

وهذه التي تمر بها السعودية عاصفة في فنجان لأن المصالح العليا للبلدين أكبر من كل ما يكتب ويذاع.

الإيرانيون يظهرون مهارة عالية في التعامل مع الأزمات، فهم يرون السعودية وقد وضعت في زاوية حرجة جداً وفي نفس الوقت يدركون أنها ستخرج منها لاحقاً، ويريدون تسجيل مكاسبهم بتوظيف الأزمة بطريقة مختلفة عن الأتراك إما بالتقرب من واشنطن أو التقارب مع الرياض.

ما هي احتمالات انفتاح الرياض على إيران؟ كما أوردت سلفاً، العلاقة مع واشنطن استراتيجية والثقة في إيران كجار مسالم معدومة لكن يبقى هامش المناورة دائماً متاحاً دون القفز على المصالح العليا.

ربما تكون لدى طهران رغبة في إصلاح العلاقة مع السعوديين لأسباب لا علاقة لها بأزمة خاشقجي، فقد اكتشفت طهران أنها في الوقت الذي تريد أن تكسب سوريا أصبحت مهددة بأن تخسر العراق كما بينت نتائج الانتخابات الأخيرة. وأن الحرب في اليمن رغم قسوتها وتكاليفها لم تمنح طهران ما كانت تحصل عليه من حماس في غزة أو حزب الله في جنوب لبنان.

فإن أراد الإيرانيون أن يحصلوا على حل في اليمن فإنه ربما هذا هو الوقت المناسب دون أن يتوقعوا أن يحصلوا حتى على نصف انتصار. شيء من الشراكة لحليفهم الحوثي في المشروع السياسي ممكن بناؤه في اليمن في مشروع الحل الموعود.

عادة في السياسة تخلق الأزمات الفرص، وإيران المحاصرة تعرف ذلك وسبق لها واستفادت من غزو صدام للكويت بالتقارب مع السعودية لكن محنة السعودية مؤقتة ومدة صلاحيتها محدودة.