من أشهر اللغات التي تدرس في ست جامعات كورية، هي اللغة العربية، ولها مراكز وأقسام وكليات تدرسها. هذا ليس فقط في كوريا، بل أيضاً في اليابان والصين شرقاً، إلى الولايات المتحدة غرباً، حيث تدرس اللغة العربية في جامعة ميتشغان، ويدرسها الطلبة هناك في مستوى البكالوريوس والماجستير والدكتوراه.
وهناك أيضاً العديد من الجامعات المرموقة في مختلف الدول، التي تولي اللغة العربية اهتماماً يليق بمكانتها في العالم، وتملك هذه الجامعات كتباً عربية ومراجع، لم أجد مثلها في العديد من جامعاتنا العربية. وتطرح الجامعات الأجنبية، العديد من المحاضرات والدورات وورش العمل في اللغة العربية، لمن يرغب من أفراد المجتمع، إذ من كثرة المؤتمرات والندوات التي تخصص في مواضيع للغة العربية، يحتار الدارس والمهتم أيهما يحضر.
أما هنا، فنحن ننتظر مثل هذه المؤتمرات، ونبحث عنها، وأحياناً تحصل، ولكن من كثرة الخجل في الترويج لها، تمر وكأنها لم تحصل، ويحضرها القليلون، هذا إن حضر أحد. لا تدرك أجيال عديدة من الناطقين باللغة العربية، وجود كنز لغوي بين أيديهم، وهناك من يفترض أنه ناطق للعربية، ولا يكاد يستخدمها.
وأكثر ما بليت به اللغة العربية، هو طغيان اللغات الأخرى في معاقلها، وتخلي أهلها عنها في نفس تلك المعاقل، فالوضع يبدو وكأنها تقول: «من يتبناني كما يليق بي؟». ويتهافت العرب الناطقون باللغة الانجليزية مثلاً للتحدث بها، وكلما أجادوها تفاخروا بها أكثر، واستخدموها أكثر، لأنه قد يعني هذا الأمر لهم، وكأنه نوع من التطور والوجاهة الاجتماعية.
تحدثت قبل ذلك في هذا الموضوع، وأتحدث اليوم بأن اللغة العربية بحاجة لمن يعيد لها مكانتها، ولن يحدث ذلك إلا إذا أدركنا نحن مكانتها وأهميتها في الهوية والثقافة والإرث العروبي العريق. وكذلك، لا بد من الإدراك أن لغتنا هي وسيلتنا لنقل الأوعية الفكرية لنا بقوالب لغوية نصوغها نحن، وخاصة بنا، إذ من هنا يأتي الإبداع اللغوي والانسجام الفكري وقوة التعبير الخاص بكل شعب، حيث أثبتت الدراسات، أهمية التمكن من اللغة الأم، للتخلص من الكثير من العقد والتشويش الفكري. وهذا لا يمنع من دراسة اللغات الأخرى، إذ أثبتت العديد من الدراسات اللغوية أيضاً، أهمية دراسة لغات أخرى (بعد شرط إتقان اللغة الأم)، لما فيه من مزايا جيدة على المستوى النفسي والإبداعي والثقافي للأفراد والشعوب. ومن هذا المنطلق، تحصل اللغات على أهميتها كلغات أم، في نطاق إقليمي محدد.
هذه القضية ليست جديدة علينا، إذ قبل عقود، قال الشاعر أحمد شوقي، متحدثاً باسم اللغة العربية، ومعاتباً أهلها:
أنا البحر في أحشائه الدر كامن فهل سألوا الغواص عن صدفاتي
إذن، فهي قضية قديمة تعاني منها لغتنا، ولكن إيماني بأن لغتنا لها من يحرص عليها، يجعلني أطرق الأبواب، كلما سنحت الفرصة.