الانتقال من منطقة رد الفعل إلى منطقة الفعل كان هو الحدث العربي الأهم في السنوات الأخيرة، رغم الظروف الصعبة وميراث سنوات الضعف من جانب أعداء الداخل والخارج.

وكان حرص الأعداء كبيراً على إشعال الحرائق في كل بلد عربي، لكي ينشغل بمعاركه الخاصة التي يتم فيها استنزاف قواه.. بينما القوى المعادية تنفذ مخططها، وتمد نفوذها، وتنشئ الميليشيات التابعة لها، وتدعم الجماعات التي احترفت التجارة بالدين والعمالة للأعداء، وظل الأمر كذلك حتى وصلنا إلى مرحلة إعادة تقسيم المنطقة على هوى الأعداء، وفي غياب أي قدرة عربية حقيقية على المواجهة.

ثم كانت بداية المواجهة الحقيقية لهذا المخطط حين تم إسقاط حكم الإخوان الفاشي للدول العربية الأكبر، ومع خروج شعب مصر لاستعادة الدولة من براثن العصابة الإخوانية الإرهابية، مدعوماً من جيشه الوطني.

ثم كانت الخطوة الحاسمة في تحديد المواقف، حين وضعت الإمارات والسعودية كل إمكانياتهما لدعم مصر وهي تتخلص من هذا الكابوس الذي استمر لعام كامل يؤرق الأمة العربية كلها، وهي ترى عاصمة العرب في قبضة العصابة الإخوانية التي أخرجت كل ثعابين الإرهاب السامة.

وكانت أفكارها الضالة هي تعاليم كل الفرق الضالة التي رفعت زوراً وبهتاناً شعارات الإسلام لتعبث في أوطاننا فساداً ودماراً وإرهاباً.

ستظل هذه لحظة حاسمة في تاريخنا، ولا ينبغي أن تغيب عنا، لأنها هي حجر الأساس الذي لا بد أن نبني عليه حضورنا العربي لمواجهة الأخطار المحدقة بنا، ولأن أعداءنا لم ينسوا ذلك مطلقاً بل إن كل ما نراه حولنا هو محاولة للرد على هذه اللحظة العربية الحاسمة، ومحاولة لحصار آثارها حتى لا تنتهي بما ينبغي أن تنتهي إليه: بناء القوة العربية الشاملة القادرة على أن توقف أطماع الآخرين ومخططاتهم، وأن تحفظ الأمن العربي وتصونه، وأن تنطلق من الدولة الوطنية القادرة إلى المشاركة العربية التي لا تسمح للآخرين أن يقرروا مصير المنطقة أو يستولوا على مقدراتها.

لم يكن الرد على ذلك مقصوراً على إرهاب الإخوان الذي حاول حرق كل شيء معتمداً شعاره: إما أن نحكمكم أو نقتلكم، ولا كان مقصوراً على الهوس الذي أصاب حكام قطر وهم يرون العصابة التي راهنوا عليها تسقط، والدعم الذي قدموه يذهب سدى، وأوهام أن يكبروا مع نجاح مؤامرة إخضاع مصر لحكم الإرهاب (ومن بعدها العالم العربي) تتهاوى.

ولا كان الرد مقصوراً على ملالي طهران وحرسهم الثوري الذين سارعوا بإرسال رئيسهم لينسق مع عصابة الإخوان، ولكي يلتقط صوراً له في قلب الأزهر الشريف.

وفي الوقت نفسه الذي كانت الإمارات والسعودية تساندان مصر بكل قواهما، وتدركان أهمية أن تستعيد مصر نفسها وأن تعود قاعدة لاستقرار العام العربي وتقدمه. كان الرد الإجرامي على ذلك من أطراف لا يجمعها إلا الإرهاب والعمالة وكراهية كل ما هو عربي.

كانت عصابة الحوثي تجتاح صنعاء وتحاول إخضاع اليمن لسيطرتها، بدعم كامل من ملالي طهران وحرسها الثوري.. وكانت الرسالة واضحة والتهديد لا يقتصر فقط على دول الخليج العربي والمملكة السعودية بل يمتد إلى البحر الأحمر، ويقول إن ذراع الميليشيات الإيرانية يمكن أن تمتد من مضيق هرمز إلى باب المندب، وإن تهدد أمن المنطقة وحركة الملاحة حتى قناة السويس.

وكما كان دعم مصر وهي تسقط حكم الإخوان الفاشي ضرورة قومية، كان دعم الشرعية في اليمن لمواجهة التوغل الإيراني قضية لا تقبل النقاش، ثم كان التصدي لتآمر تنظيم «حمد وحمد» الذي أخرج قطر من محيطها الخليجي والعربي، ليضعها في خدمة مخططات الإخوان الإرهابية، وليجعلها حليفاً لملالي طهران.

وكما كان التصدي لمحاولة الهيمنة الفارسية على اليمن الشقيق ضرورة خليجية وقومية. كان التصدي لتآمر حكام قطر على أمن واستقرار الخليج العربي ضربة لمحاولات تكرار مؤامرة إخضاع مصر التي فشلت بعد عام واحد، والتي كان تحالف حكام الدوحة مع الإخوان يتصور أنه قادر على أن يعيدها بعد أن يتدارك الأخطاء في دول الخليج والسعودية، مستفيداً من دعم فاشية دينية إيرانية تعيش على التآمر وإثارة الفتن المذهبية.

كل ذلك يستدعي وجوداً عربياً لا بديل عنه لحفظ المصالح العربية في ظروف بالغة التعقيد. التجربة تقول إننا لا نملك خيارات عدة. ليس أمامنا إلا هذا التحالف الذي أنقذ مصر من قبضة حكم الإخوان الفاشي، والذي تصدى لإيران وهي تحاول عبر الميليشيات الحوثية أن تجعل من اليمن العربي قاعدة للحرس الثوري الإيراني، ليس أمامنا إلا هذا التحالف الذي استطاع هزيمة جماعات إرهابية وميليشيات عميلة دعمتها قوى إقليمية ودولية واستخدمتها وسيلة لتمرير مؤامراتها على الوطن العربي.

نسعى بالتأكيد لحل سياسي في اليمن وسوريا وليبيا، نسعى لحل عادل يعيد الحقوق المشروعة لشعب فلسطين.

في ظل كل المعارك الصغيرة التي تثار لاستنزاف القوة العربية، كان العمل المهم هو «درع العرب» الذي تشارك فيه القوات العسكرية لدول الرباعي العربي في تدريبات عسكرية مهمة على أرض مصر وفي البحر المتوسط، كان مع «الرباعية العربية» قوات الكويت والأردن، وكانت الإشارة واضحة، والحضور العربي هو العنوان الرئيسي.. والمطلوب على الدوام.

* كاتب مصري