ليس بشخص عادي، بل هو استثنائي بكافة المقاييس، لذا، فإن الكتابة عنه، تُمثل تحدياً كبيراً. لأن هناك أسئلة مهمة، الإجابة عنها تستدعي إلماماً وإحاطة بصفات هذه الشخصية الفذة. كيف تكتب عنه؟ وماذا تكتب عنه؟ وبم تصفه؟ فرجل في قامة الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان، والذي تربع على عرش القلوب، وعمت سمعته الآفاق، ليس من السهل أن تختصر الحديث عنه في سطور.
فهو -بلا شك - بحاجة إلى كتب وأسفار، لتُجمع فيه الأخبار، وتوثق سيرتُه العطرة في الأخيار. لا تعترف إنسانيته بالفوارق والحدود. أدرك معنى الإنسانية الحقيقية، بل وجسّدها قولاً وفعلاً، فأجمعت عليه الآراء، والتفت حوله الأفئدة، فبادله الناس حباً بحب، ووفاءً بوفاء.
حاولت أن ألخص ما خبرته في هذا الرجل العظيم على مدى ثلاثة عقود، فلم أجد أبلغ من وصفه بأنه كبير. كبير بأفعاله قبل أقواله. كبير في الترفع عن صغائر الأمور وتوافهها. كبير في الصفح والعفو. كبير في البر والإحسان. كبير في صلة الرحم. وكبير -بل وقدوة - في البر بالوالدين.
كبير في جبر الخواطر ومواساة الناس. كبير في السعي في حاجة الناس وسد متطلباتهم. كبير في السماحة، وقدوة رائعة في إنسانيته. أمدّه الله بطاقة استثنائية، سخرها لتلك القيم النبيلة، والمعاني السامية، فأصبح بذلك قدوة حسنة، يشير إليه المربّون والموجّهون، بل وأصبح مثلاً أعلى في مجتمعه، وفي المجتمع الإنساني عامة.
أما عن مجلس الشيخ نهيان، فهو مدرسة، يتعلم منه مرتادوه من حضور الشيخ، قواعد السلوك، في توقير الكبير، والعطف على الصغير، والترحيب بالجميع. كما أن هذا المجلس، مدرسة راقية في التنوع الذي يتصف به مجتمع الإمارات، وأعني بالتنوع، التعددية الثقافية والدينية والعرقية.
وأوجد سموه، من خلال هذا المجلس العامر، بيئة تسمو بالقيم المشتركة، حيث ترتقي بالإنسان إلى معارج الأخوة الإنسانية وصفائها.
وإن عرّجت إلى دوره وإسهاماته في التعليم العالي في البلاد، فهو رائده بلا منازع، أحدث نقلة هائلة في الجامعات، التي حظيت برئاسته لها، بل ونقلها من المحلية إلى العالمية. شُرّفت بالعمل تحت قيادته ورئاسته مدة عشرين عاماً، كان لي خلالها الموجّه، والمعلم، والملهم.
تعلمت في مدرسته، معاني الوطنية الحقيقية، المتمثلة في البذل والمثابرة والعطاء. وتعلمت منه كذلك، مبادئ العمل المتمثلة في الجدية، والالتزام، وحسن الأداء، وتحقيق النتائج.
وما يذهل المرء في الكفاءة القيادية والإدارية للشيخ نهيان، الدرجة العالية في الالتزام بقيم العمل، ولا تسل عن ساعات الدوام لديه! فيومه يبدأ عند الساعة الثامنة صباحاً، وينتهي عند منتصف الليل! إضافة إلى الحرص الشديد على النزاهة الإدارية والمالية، وعدم تهاونه المطلق في أي أمر مخل بالأمانة والنزاهة.
لا أذكر أن حالات الفساد المالي تجاوزت ثلاث حالات خلال تلك السنوات الطويلة التي شُرّفت بالعمل تحت قيادته وإدارته، وقد كان موقفه فيها غاية في الحزم والصرامة، وأحال إلى الأنظمة واللوائح، لتقول كلمة الفصل فيها.
ذاكرتي معه حافلة بدروس عظيمة، ومواقف إنسانية لن تطويها صفحة النسيان. أما بصمات الشيخ نهيان، فتجدها في كل بيت إماراتي، بل وفي كل مؤسسة حكومية وخاصة، استقطبت أبناءه الخريجين، وبناته الخريجات. هؤلاء هم أداة التنمية المباركة، التي تشهدها دولتنا، في ظل قيادة رشيدة وحكيمة.
أدرك تماماً، أن ما ذكرته في هذه السطور المتواضعة، هو شعور كل مواطن، بل وكل مقيم على هذه الأرض الطيبة، كل من عرف هذه القامة الوطنية والإنسانية الشامخة. ولا غرابة في ذلك، فهو أحد الأبناء البررة لزايد الخير، طيب الله ثراه.
حفظ الله الشيخ نهيان، ومتّعه بالصحة والقوة والسعادة، وأبقاه ذخراً لمحبيه.