لم أر في حياتي أجمل منهما، ثوب أمي وثوب رشيدة طليب، الأول فتحت عيني عليه، والثاني فُتح الكونغرس الأميركي ليُجلس على أحد مقاعده أول فلسطينية عربية، وهي السيناتور رشيدة.

ثوب أمي كان جميلاً، في الصيف أبيض مطرز بخيوط من حرير أحمر أو أزرق بلون السماء أو برتقالي بلون برتقال يافا، لكأنها كانت تحتفظ باللون، بعد أن سرق الصهاينة البرتقال والأرض والسماء، وفي الشتاء أسود أو كحلي لكن دائماً، الألوان هي ..هي، والجمال هو الجمال.

لكل مدينة وربما قرية فلسطينية ثوبها وتطريزه الخاص بها، فيكفي أن تنظر إلى المرأة لتعرف من أي قرية هي، وإن تشابهت الأشكال والألوان، إلا أن ثمة ما يميز أحدها عن الآخر. وأكثر ما يميز الثوب «القبة» أي الصدر، وهي من أكثر أجزاء الثوب الفلاحي غنى بالتطريز، وتغطي صدر المرأة من الحزام حتى رأس الكتفين، بينما تقل عرضاً عند الصدر عدة سنتيمترات من الجوانب، وتحتوي القبة في الثوب المطرز على أنواع كثيرة من العروق والعناصر الزخرفية، التي تتفاوت في عرضها، حيث تشتمل على السناسل والعروق الرفيعة، ومنها عرق الكرز وعرق االزنبق وعرق الجورية والقرنفلة والدالية والهدهد والطاووس والحمامة.

تعددت الأثواب والتطريزات لكن الخيط الأول كنعاني، إذ إن ثمة من أنواع الأثواب الفلسطينية ما يطلق عليه الثوب التلحمي أو ثوب المَلكَة وهو ثوب عريق قديم، كان زياً خاصاً بملكات الكنعانيين في فلسطين، مخطط بخطوط داكنة تميل في معظمها إلى اللون البني القريب من الأحمر؛ تتداخل في وسطه قطع الساتان بألوان بهيجة؛ أما الأحمر البرتقالي أو الناري، وفي صدر الثوب يستخدم قماش القطيفة، التي عادة ما تطرز بخيوط بارزة وبأشكال دائرية تستخدم فيها الألوان البراقة الذهبية أو الفضية، وقد كانت قديماً تصنع من الذهب والفضة، وتوضع في وسط كل شكل دائري قطعة من المجوهرات، تليق بأهمية الملكة صاحبة الثوب، كالزمرد أو الياقوت؛ أما باقي أجزاء الثوب فتمتاز بغزارة التطريز واستخدام أنواع متعددة من الرسومات، تدل على المناطق التي تخضع لحكم الملكة الكنعانية.

الثوب ليس مجرد قطعة جمالية ولوحة ترسم بالإبرة والخيط، بل سطور من التاريخ تشهد على حقب من الزمن مر بها الشعب الفلسطيني، فهناك ما يطلق عليه الثوب الرومي (تأثراً بالعهد الروماني) الذي يشبه قماشه قماش ثياب الراهبات البيضاء أو السوداء، وقد ظل منتشراً في شمال ووسط فلسطين، وما زالت بعض كبيرات السن يحتفظن به ويرتدينه في المناسبات الهامة.

تستعمل المرأة الفلسطينية نوعين من الثياب هما: ثياب العمل، وثياب المناسبات، وتخصص لثياب المناسبات أفضل الأقمشة، وتبالغ في الاهتمام بتطريزها أو تقصيبها؛ أما ثياب العمل فتكتفي بتطريزها بحرير أقل كلفة، وبنماذج أكثر بساطة.

وفوق الثوب ترتدي المرأة الفلسطينية أنواعاً من المعاطف الصدرية وهي تشبه ما يلبسه الصيادون في عكا وحيفا ويافا، وتكون مغلقة من الأمام والخلف ومن دون أكمام، بينما الأكتاف تكون مفتوحة، لتسهيل عملية ارتدائه، وتصنع من قماش الحرير المخلوط مع الساتان، أو ما يعرف بالتقصيرة وترتديها فوق الثوب في مناطق بيت لحم والقدس وقرى غزة؛ وهي مصنوعة من قماش القطيفة الزرقاء أو الحمراء، وهو عبارة عن معطف، أجزاؤه الأمامية مفتوحة، والأكمام تكون إما نصف كم، وإما أكمام طويلة.

لقد قامت إسرائيل بتسجيل أثواب فلسطينية باسمها في الموسوعات العالمية، مثل ثوب عروس بيت لحم المعروف باسم (ثوب الملكة)، الذي سجلته إسرائيل باسمها في المجلد الرابع من (الموسوعة العالمية). كما قامت مؤخراً شركة الطيران الإسرائيلي (العال) بسرقة الثوب الفلاحي الفلسطيني وارتدت تطريزات منه موظفات الشركة على متن طائراتها كونه ثوباً يعبر عن التراث الإسرائيلي.

بعد أن فشل تحرير فلسطين انطلاقاً من العواصم العربية فإنه ربما يتم من العاصمة الأمريكية واشنطن، فثمة فلسطينيون وفلسطينيات من حملة الجنسية الأمريكية والقلوب الفلسطينية يبدعون ويعرفون كيف يحملون قضية فلسطين إلى الشعب الأمريكي، فهذه جمانة مصطفى علي عايد من كليفلاند اوهايو (24 سنة) تفوز بلقب «أصغر طيار» من بين قائمة أفضل الطيارين في أمريكا. وهذه «بي.دي.اس» حركة مقاطعة إسرائيل التي تكشف أكذوبة إسرائيل وتحقق نجاحات باهرة في أمريكا وأوروبا والعالم.

رشيدة طليب النائب الديمقراطي عن ولاية متشيغان التي فازت في انتخابات التجديد النصفي دخلت الكونغرس بالثوب الفلسطيني وأزالت اسم «إسرائيل» عن خريطة العالم التي على مكتبها ووضعت اسم فلسطين.

قد لا تعيد رشيدة أرض فلسطين، لكنها أعادتها إلى الكونغرس الأمريكي المؤسسة الدستورية الأولى في الولايات المتحدة والهيئة التشريعية.

رحلة الألف ميل قد تبدأ.. بـ«ثوب».

* كاتب أردني