بعد الثورة الرابعة «ثورة الذكاء الاصطناعي» التي شهدها العالم في الأعوام الماضية، والتي تسير به بسرعة هائلة باتجاه المستقبل، تغيرت المفاهيم والأسس التي كانت تبنى عليها مقومات ومقدرات الدول، فلم تعد الثروات الطبيعية مقياساً لغنى الدول، فهي -رغم أهميتها الكبيرة- ليست العنصر الدافع للنمو والتقدّم إذا لم تستثمر بشكل ناجح وتوظّف لأغراض التنمية، وإلا لكانت الدول الأفريقية أغنى دول العالم وأكثرها تقدّماً؛ نظراً لما تمتلكه من ثروات طبيعية لا تقدّر بثمن.
اتجهت الدول التي تنشد التقدّم إلى تفعيل محرّكات النمو التي تعتمد في جزء كبير منها على التنمية الإدارية والشراكة الحقيقية بين قطاعات الإنتاج والاستثمار المتنوعة؛ لدفع عجلة النموّ وتحقيق أعلى استفادة من الموارد المتاحة بجهد أقلّ وإنتاجية أكبر.
في مبدئه الرابع للحكم والحكومة في دبي وهو «النمو له محرّكات ثلاثة»، يقول صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي «رعاه الله»: «نمو دبي تقوده ثلاثة محركات: حكومة ذات مصداقية ومرونة وتميز، وقطاع خاص نشط وعادل ومفتوح للجميع، وقطاع شبه حكومي ينافس عالمياً ويحرك الاقتصاد محلياً، ويشكل للحكومة دخلاً وللمواطنين وظائف وللأجيال القادمة أصولاً».
ومن الجلّي أن هذا المبدأ ينطوي على خطّة عمل متكاملة لتحقيق النمو تم اختصارها ببضع كلمات ذهبية، فالحكومة المرنة المتميزة ذات المصداقية هي دفّة السفينة التي تتحكم بقيادتها نحو برّ الأمان، وإن لم تكن هذه الحكومة على درجة عالية من الشفافية والمرونة والقدرة على إدارة موارد ومقدّرات الدولة بنجاح، فإن جميع الجهود والإمكانيات ستذهب سدى؛ وسيبقى الشعب يراوح في مكانه وسط فوضى اقتصادية وتنموية لا مثيل لها.
هنا نقول بكل ثقة: لا خوف علينا من هذه الناحية، فحكومة دبي -ولله الحمد- واحدة من الحكومات القليلة على مستوى العالم؛ التي استطاعت تحقيق قفزة نوعية في جودة العمل الحكومي، وانتقلت إلى مرحلة متقدّمة من التميّز والإبداع، لتقود عجلة التنمية الاقتصادية والشاملة نحو آفاق بعيدة من التقدّم الذي يطمح إليه الناس، ودليل ذلك حصول دبي على المرتبة الأولى عربياً، والرابعة عالمياً في محور «الأداء الاقتصادي» حسب تقرير «تنافسية دبي 2018» الذي أصدره «مركز التنافسية العالمية» التابع للمعهد الدولي للتنمية الإدارية (IMD).
فقد انتهجت حكومة دبي طريق التميّز، ووضعت جميع جهودها في خدمة الناس وسخّرتها لتحقيق طموحاتهم، واستطاعت توظيف معطيات الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الحديثة في مختلف مجالات التنمية، وانتقلت بدبي في جميع مفاصل الحياة إلى عصر المعرفة الرقمية، ليدار العمل الحكومي بطريقة ذكية، ولتدار الموارد الطبيعية ومصادر التنمية والطاقة والخدمات كذلك بطريقة ذكية، فيما يشكّل قفزة كبيرة باتجاه المستقبل.
فقد أطلقت دبي منذ أعوام مبادرة «دبي 10X» لتصل بإنجازاتها إلى المستقبل قبل 10 سنوات من المدن الأخرى، ما يسهم في رفع واستدامة تنافسيتها، كما قامت دبي بإطلاق «استراتيجية دبي للتعاملات الرقمية البلوك تشين»، لتكون حكومتها الأولى عالمياً في تطبيق جميع تعاملاتها عبر هذه الشبكة المستقبلية لتحقيق قفزة نوعية في كفاءة التعاملات الحكومية وجميع القطاعات الاقتصادية.
ولكي تنجح حكومتنا العتيدة بمهامها وتحقق أهدافها في التنمية وخدمة الشعب، كان لابد من تعاون مثمر وبنّاء وشراكة حقيقية فاعلة مع كلّ من القطاعين الخاص وشبه الحكومي، اللذين أثبتا أنهما رديفان وشريكان قويّان وفاعلان للعمل الحكومي، وأسهما بشكل كبير في النهوض باقتصاد دبي، عبر الاستثمار الناجح وتوفير فرص العمل لمن يحتاجها، وتوسيع مجالات الاستثمار الاقتصادي لتواكب التطوّر والتقدّم الذي يشهده العالم.
هذا التعاون بين الحكومة والقطاعين الخاص وشبه الحكومي خلق نوعاً من التكامل البنّاء لتسريع عجلة النموّ وتحقيق مؤشرات عالية في مختلف مجالات التنمية، وفي هذا الإطار رصدت مجموعة أكسفورد للأعمال مؤشراتٍ بأن تحقق دبي خلال العام الجاري نموّاً بمستويات أعلى بفعل برامج التحفيز والإنفاق على مشاريع البنية التحتية، وقدّرت المجموعة الاقتصادية العالمية أن يسجّل اقتصاد دبي نمواً بنسبة 3.3%، وهو أمر في غاية الإيجابية ونتيجة متوقّعة لجهود القطاعات المختلفة التي تتكاتف لتحقيق هذه الطفرة، وتسهم بشكل فاعل في رفع الناتج المحلّي الوطني، وتعزيز مكانة دبي كواحدة من المدن الأسرع نموّاً والأكثر تطوّراً على مستوى العالم.