لطالما لفتت دولة الإمارات العربية المتحدة الأنظار بتسارع خطواتها في التنمية والاقتصاد، ولطالما دارت التساؤلات حول أسرار هذه النجاحات التي تحققها الدولة حتى بلغت منافسة دول متقدمة في العالم، ومن الأهمية دائماً النظر إلى أن التساؤلات تلك لم تأتِ لمجرد أن نهضة بترولية دفعت بالإمارات لهذا المستوى بل لارتباط ما تحقق بصناعة مقترنة بالجودة، ولذلك تحتدم الأسئلة عن أسرار نجاح الإماراتيين في تشكيل الدولة العربية الأنجح والأكثر قدرة على إبهار من حولها.
ترتكز الإمارات على قيم ومبادئ مؤسسها الشيخ زايد آل نهيان، يرحمه الله، فالقيم والمبادئ تمثل نواة النجاحات في مختلف المجالات، فتأسيس الدولة الإماراتية الاتحادية في شرق أوسط مضطرب يمثل بحد ذاته إطاراً لمعرفة هذا الامتياز الإماراتي في التكوين والتشكيل، فالمؤسس زايد بن سلطان اعتبر التحدي فرصة لإثبات القدرة على تحقيق المستحيل وهذا ما كان في تأسيس الدولة الاتحادية، الفكرة الأساسية تبقى في التحدي وتحويل التحدي إلى فرصة والفرصة إلى واقع، هذا هو سر نجاح الإمارات في قدرة مؤسسها على التحدي بالإقدام مع استحضار الحكمة وبالشجاعة مع استلهام العدل.
عندما تقدم الإمارات نفسها للعالم فهي لا تقدم الأبراج العالية أو التكنولوجيا المتقدمة أو المؤسسات المالية بل تقدم مبادئ وقيم مؤسسها الذي انطلق من التحدي، ولذلك تأتي زيارة البابا فرنسيس بابا الفاتيكان للعاصمة أبوظبي في هذا النطاق.
فمن الأهمية أن تقول الإمارات للعالم إنها قادرة على أن تستعيد حوار الأديان على أرضها، وأنها تقوم بمهمة القيادة التنويرية للشرق الأوسط، والأهم أنها تعيد القيم الإسلامية إلى مضمونها وسياقها بعد عقود اختطفت فئة من المسلمين تلك المبادئ والقيم الأصيلة للدين الإسلامي وحاولت تجريف الإسلام لمصلحة تحقيق غايات وأهداف سياسية بعيدة كل البعد عن جوهر الدين الإسلامي.
لقاء الإمام الأكبر الشيخ أحمد الطيب مع بابا الفاتيكان فرنسيس في أبوظبي استعادة حقيقية لجوهر الحوار الإسلامي المسيحي الذي بدأ أيام النبي محمد صلى الله عليه وسلم، حيث حصلت 3 حوارات على الأقل وقتها، الحوار الأول تمّ تحت إشراف النجاشي ملك الحبشة المسيحي، ومثّل المسلمين في الحديث جعفر بن أبي طالب، ومثل قريش عمرو بن العاص وعبد الله بن أبي ربيعة، والحوار الثاني حصل في إيلياء (بيت المقدس) بعد انتصار هرقل على الفرس (الذي تحدّث عنه القرآن في سورة الروم).
أدار هرقل الحوار ومعه ترجمانه وقساوسته، وتولى الحديث عن الإسلام دحية الكلبي الذي كان يحمل رسالة من الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وانتهى الحوار بقبول مضمون الرسالة، أما الحوار الثالث فقد حصل في المدينة المنورة، إذ حضر وفد من مسيحيي نجران يرأسهم الأسقف أبو الحارث بن علقمة، على رأس وفد من أربعين شخصاً، ونزلوا ضيوفاً على النبي في مسجده. شمل الحوار تنظيم أسلوب العيش السلمي بين المسلمين والمسيحيين. اقتدى الخلفاء الراشدون ومن تبعهم بمضمون هذا الحوار ونتائجه.
ولي عهد أبوظبي صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد الذي دعا قادة الأديان السماوية للحوار في بلاده يتقدم بشجاعة والده المؤسس للجميع من قيادات الشرق الأوسط والعالم العربي في استعادة الخطاب الإسلامي من الأطراف التي تعمدت الإساءة للدين الإسلامي وتلبيسه مفاهيم ليست فيه، وتعمدت أن تلصق بالإسلام التطرّف والتشدد الذي انتهى بالإرهاب وتحول إلى أكثر ما يهدد العالم من خطر في أمن واستقرار العالم، استعادة الوسطية الإسلامية والعقيدة الصحيحة هي تحدٍ عظيم تتطلب مواجهته قرارات كبيرة والأهم أن تترجم هذه القرارات لأفعال تشعر بها المجتمعات.
واقع التسامح في المنطقة العربية يواجه تحديات كبيرة خصوصاً في جو الصراعات الدائرة التي أضعفت من قيمة التعايش السلمي في المجتمعات وبالنظر إلى دولة الإمارات فإننا نجد نموذجاً ناجحاً استطاع إعادة صياغة التسامح في ظروف مضطربة تعاني من الطائفية والكراهية، نشأت فيها الكراهية الدينية التي تعد من أشد أنماط الكراهية حساسية وخطورة.
خصوصاً إذا كانت في إطار المذهب الديني الواحد، لذلك اعتبرت الكراهية الدينية خطراً وتحدياً توجب إيقافه والقضاء عليه ولدولة الإمارات تجربة فريدة في مواجهته وذلك بإصدار قانون مكافحة التمييز والكراهية في يوليو 2015م.
منهجية الإمارات في مواجهة التيارات الفكرية المنحرفة تبدو واضحة عندما تقرأ في سياقها الصحيح، فالدولة التي تأسست على قيم ومبادئ الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، يرحمه الله، تستلهم ريادتها في التحدي والعزم عبر جيل من القيادات تدرك مدى أهمية أن تتقدم في تأصيل وتعميق ثقافة الحوار الفكري وتحصين المجتمعات العربية والإسلامية عموماً لتثبيت الأمن والاستقرار لهذه المجتمعات، وهذا الدور الرائد لتعزيز التسامح والتعايش وإنشاء المراكز البحثية للمساهمة في تحقيق هذه الأهداف التي ترتقي لتحديات يتقدمها محمد بن زايد، الابن النجيب في مدرسة زايد المؤسس.