إعلانات الانتصار في كل مكان، وعلى كل لسان معني بالحرب على الإرهاب في سوريا، في رأيي هذا انتصار مؤقت، ومسألة وقت، حتى يظهر تنظيم داعش آخر.
دولة داعش التي أعلن القضاء عليها الأسبوع الماضي في سوريا، ولدت في 2011، بعد أن أعلن حينها عن نهاية القاعدة، التنظيم الإرهابي، وأنه تم تدميره نهائياً، بعد دحره في بغداد وغربي العراق.
عدد الذين تم اعتقالهم، حتى الأيام الماضية في سوريا، بلغ نحو ثلاثين ألفاً، يقال إنهم من منسوبي داعش.
ويقدر عدد الذين التحقوا بالتنظيم خلال سنوات الحرب السورية، أكثر من ستين ألفاً، وفق تقديرات بنيت على عدد المعتقلين الذين خرجوا من مناطق مختلفة في سوريا، منذ بدء هجمات قوات التحالف الدولي عليهم في الصيف الماضي.
داعش، مثل تنظيم القاعدة، فكرة، والأفكار لا تموت بسهولة في بيئة منطقتنا الحالية، مع الفوضى والفراغ. فالقاعدة ظهرت أولاً في أفغانستان، بعد انهيار الحكم في أفغانستان، واستيلاء طالبان عليه، بعد الفراغ بخروج القوات الأمريكية في مطلع التسعينيات.
ومن هناك انتشرت أفكار التطرف المسلح عبر الحدود إلى دول المنطقة، عبر الإعلام والمساجد والحواضن الأخرى. حتى ظهر بقوة في العراق، بعد انهيار نظام صدام حسين، وقيام نظام حكم ضعيف مؤقت في بغداد، تحت الإدارة الأمريكية. هزم أخيراً في العراق بعد مقتل الآلاف، واعتبرت الأنبار مقبرته الأخيرة.
ثم خرج تحت اسم وعلم جديد. وفي عام 2011، قامت الثورة في سوريا سلمية ومدنية، أبو بكر البغدادي، الذي أقام إمارة سماها تنظيم دولة العراق الإسلامية، وسع خلافته عبر الحدود إلى سوريا. وهي في الحقيقة تتبع القاعدة، أسس وجوداً للقاعدة في سوريا، واختار أبو محمد الجولاني للمهمة، الذي ما لبث أن اختلف مع زعيمه، وأسس لنفسه تنظيم جبهة النصرة المرتبط بالقاعدة.
وفي عام 2016، قرر الجولاني أن يغير اسم التنظيم. ظهر في فيديو، معلناً عن حل جبهة النصرة، وتسميتها بـ «جبهة فتح الشام»، لماذا؟ برر الجولاني حينها أنه «من أجل دفع الذرائع التي يتذرع بها المجتمع الدولي، وعلى رأسه أمريكا وروسيا، في قصفهم وتشريدهم لعامة المسلمين في سوريا، بحجة استهداف جبهة النصرة».
الحقيقة أنها كانت ضمن لعبة التحالفات مع تركيا، وعدد من الفصائل السورية. وظهرت حركات إرهاب أخرى، مثل حركة نور الدين الزنكي، ولواء الحق، وجيش السنة، وجبهة أنصار الدين. حتى جبهة فتح الشام، غيرت اسمها للمرة الثالثة إلى هيئة تحرير الشام.
وليست سوريا وحدها الأرض التي غزتها القاعدة، ففروع التنظيم موجودة في مناطق واسعة. هناك القاعدة في شبه الجزيرة العربية، والقاعدة في شبه القارة الهندية، والقاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وتنظيم الشباب، وكذلك جماعات نائمة في العراق وغيره.
وبالتالي، فإن إعلان الانتصار وتدمير دولة الخلافة الإرهابية، حدث محصور في مكانه وزمانه ويبقى الإرهاب موجوداً كفكرة، اسمها التطرف. محاربة التطرف أهم من محاربة الإرهاب، والذي لا يزال يحصر فقط في إطار حمل السلاح.
لكن تنظيمات مثل الإخوان المسلمين، التي، وإن كان بين كوادرها وفروعها جماعات مسالمة، تبقى مدرسة كبيرة لإنجاب الأفكار الخطيرة. التطرف يقود إلى الإرهاب، كما رأينا في اليمين العنصري، الذي تحول إلى القتل، كما حدث في جريمة المسجدين في نيوزيلندا. والتطرف ملة واحدة، يغذي بعضه.