لا أعتقد أن مدينة أخرى في مصر غير أسوان كان يمكن أن تكون مقراً لعقد أول مؤتمر يجمع الشباب العرب والأفارقة، يتدارسون فيه دورهم المشترك في تعزيز انتمائهم إلى القارة السمراء، وكيفية النهوض بالقارة التي تواتيها فرصة العُمر والتاريخ كي تُشارك بقدراتها العديدة المتنوعة في ركب الحضارة الإنسانية، وأظن أيضاً أن أسوان هي المكان الصحيح والمناسب الذي يمكن أن يبدأ فيه الرئيس عبدالفتاح السيسي مهمته رئيساً لمنظمة الوحدة الإفريقية، تعول عليه شعوب القارة آمالاً كباراً للنهوض بإفريقيا وتحقيق آمال شعوبها في تحقيق الأمن والاستقرار والتقدم، لأن أسوان تجسد الهوية العربية الإفريقية، وتكاد تكون الرمز الصحيح لهذه الأخوة الإنسانية، وهي تعني في ضمير كل مصري معنى الأصالة وطيب العرق والتسامح والاستقرار والعيش المشترك، وقد نجحت أسوان في أن تخلع كل هذه السمات على احتفال مصر بالمناسبتين التاريخيتين وتكاد تستوحي كل العروض التي شهدها الضيوف الأفارقة قيمة هذه الأرض الطيبة.

نعلم أن رئاسة رئيس مصر عبدالفتاح السيسي المنظمة الإفريقية هي رئاسة دورية عمرها عام، لكن حجم الآمال التي يعلقها الأفارقة على هذه الرئاسة كبير وضخم، وتكاد تلخص توقعاتهم في أن تنجح مصر في أن تضع بصمتها على هذا العام ليصبح عام الشباب وعام التعليم، وعام الوفاق ونبذ الحروب الأهلية، وعام المرأة الإفريقية التي ينتصر الرئيس السيسي لحقها في المشاركة، لأن إفريقيا كما قال، لن تحقق تقدمها المنشود في غيبة المرأة الإفريقية، ولا يقل أهمية عن ذلك أن تتمكن القارة من إنشاء بنية أساسية مشتركة تمكنها من تعزيز تواصلها الجغرافي والسكاني وتنمية تجارتها البينية واستغلال ثرواتها غير المستغلة، لأن إفريقيا يمكن أن تكون أكبر منتج في العالم للذهب والألماس، ويمكن أن تكون سلة غذاء العالم أجمع لوفرة أراضيها ومياهها، وهي الآن واحدة من المناطق الأكثر جذباً للاستثمارات العالمية.

لقد تحدث الرئيس عبدالفتاح السيسي عن حلمه الكبير لإفريقيا الذي ينطوي على مشروع ضخم يربط عبر نهر النيل بين بحيرة فيكتوريا والبحر الأبيض ليصبح النيل شريان حياة يربط معظم الدول الإفريقية وينقل تجارتها إلى ساحل البحر الأبيض، كما تحدث مراراً عن حلمه الكبير الآخر بإنشاء سكك حديدية تربط مصر والسودان وإفريقيا، وكلها أحلام قابلة للتحقيق تنطوي على جدوى اقتصادية مؤكدة لكل شعوب القارة، وبالطبع فإن هذه الأحلام الكبار يصعب تحقيقها خلال عام، لكن المهم في فكر الرئيس عبدالفتاح السيسي هو إنشاء بنية أساسية من مشروعات الطرق والأنهار والسكك الحديدية تجعل القارة كلاً مترابطاً، تربط مناطق الإنتاج بشبكات التصدير، وتزيد ترابط دول القارة وتواصلها، وتنمي داخل عقول شباب القارة ضرورة تعزيز البنية الأساسية التي تربط دول القارة وشعوبها، لأن مشروعات البنية الأساسية هي شرايين الحياة التي تصنع التنمية والتقدم، وعندما تصبح مشروعات البنية الأساسية اهتماماً مشتركاً للشباب العرب والإفريقيين، يناقشون جدواها ويدركون أهميتها ويبحثون سبل إقامتها، وتدخل في وعيهم باعتبارهم ضرورات أساسية للتقدم فإن ذلك يعني تشكيل صورة المستقبل وخلق مفاهيم مشتركة بين الشباب العرب والأفارقة لمعنى التنمية المستدامة وشراكة المصالح والتخطيط الصحيح لغدِ مُشرق.

ومن المؤكد أن أهم بصمة يمكن أن يتركها الرئيس عبدالفتاح السيسي خلال هذا العام هي بصمة في عقول الشباب الأفارقة والعرب، بما يجعلهم يفكرون على نحو طموح وكبير ويحسنون التعليم ويتعلمون التفكير خارج القوالب المعلبة، ويدركون أهمية وجود بنية أساسية قوية ينهض عليها التقدم، ويناصرون قضايا المرأة الإفريقية، لأن إفريقيا لن تحقق تقدمها في غيبة الاعتراف بحقوق المرأة.