إذا افترضنا أن ما يحدث متزامناً في ليبيا والجزائر والسودان، يعبر عن حراك شعبي، ورغبة جماعية في التغيير السياسي، في هذه الحالة، نحن نشهد الفصل الثاني من الثورات العربية، التي بدأت 2011.

الفارق بين الموجتين، هو استقبال العرب الفاتر لـ «الموجة الثانية»، الكثير من التشكيك والقليل من الحماس. كيف لنا أن نعرف مشاعر الناس، ونحن لم ننجز استبياناً واحداً، في وقت اكتظت شوارع العاصمة الجزائر بمئات الآلاف من المحتجين، وكذلك في شوارع الخرطوم؟، رغم الإقبال على التغيير هذا، فإن الفارق كبير بين مطلع عام 2011، وبين ما نراه ونسمعه اليوم.

هناك شك في دوافع الحراك ومحركاته، يعبر عنه المثقفون صراحة، كما يخيم شعور بالقلق من التغيير، رغم الغضب من الأنظمة المستهدفة بالاحتجاجات، فمن يضمن ألا تنتهي هذه الدول نهاية سوريا، حيث بقي النظام ودمرت البلاد؟ أو مآل اليمن الذي سرقت ثورته؟ أو حتى الدول التي أصابها التغيير واستقرت، مثل تونس ومصر، التي مرت بمراحل اضطراب انتقالية صعبة، ربما كان يمكن أن تتغير بدون المخاض الصعب الذي مرت به.

خفت الحماس بلا شك في محيط المنطقة، نتائج «الربيع العربي»، تمثل كابوساً مريعاً. وحتى الحراك الإيجابي في السودان، الذي يكبر مع الوقت، ويعكس حالة تململ طويلة، ففيه لم يطرح المتظاهرون سوى تغيير النظام الجاثم على صدور السودانيين، لكننا لم نرَ البديل الأفضل.

الصادق المهدي، قطب المعارضة، مرآة يعكس الوضع المغضوب عليه، ويعكس الصورة القدسية الدينية والعائلية. أما في ليبيا، فإن التغيير جاء من فوق، من الجيش الوطني، الذي قرر أن يرفض مشاركة المليشيات السلطة، ويخاطر بمواجهة القوى المحلية والإقليمية والدولية.

انتفاضة مسلحة، وليست سلمية، لكن لها تأييد كبير، وقد تؤسس نظاماً فردياً سيئاً، كما يقول المعارضون، لكن التخلص من إرث ثورة 2011 مطلوب شعبياً، لأنه مزق ليبيا، وأصبحت حياة الناس في خطر كل يوم. بخلاف السودان، الذي ثارت فيه الناس على الأمر الواقع الطويل، فإن في ليبيا ثورة على الثورة، ومحاولة للتخلص منها.

في اليمن، حرب تقوم على الانقلاب الذي قاده الحوثيون، والرئيس المعزول حينها. الحرب من أجل فرض الشرعية التي جاءت بها ثورة اليمنيين عام 2011، والتخلص من الذين سرقوها، من حوثيين ومتمردين من النظام السابق.

أما ما نراه في الجزائر، فهو مثل عملية استباقية لثورة شعبية أكبر، حيث فتحت الشوارع والميادين للمتظاهرين، في ظل حماية الجيش، تقريباً سيناريو مكرر لثورة يناير 2011 في القاهرة، التي ملأت ميدان التحرير والشوارع المحيطة، بحضور مكثف من الجيش، الذي ساهم في حراستها، بعد تبخر قوى الأمن من الشارع.

المؤسسة العسكرية الجزائرية، تقدمت صفوف المحتجين، وأعلنت عن مطالبها للتغيير، واضطرت الرئيس عبد العزيز بوتفليقة للاستقالة، والتراجع عن الترشح للرئاسة المقبلة، والتخلص من معظم القيادات التابعة للحكم الرئاسي، إما بالعزل أو الاعتقال. ولا تزال «الثورة الشعبية العسكرية» تعمل على ترتيبات التغيير المطلوبة.

بلدان ليبيا والجزائر والسودان، تمثل موجة جديدة، لكنها لا تماثل روح ومناخ «الربيع العربي»، وحتى القوى الدولية التي كانت تتسابق على الترحيب بالثورات والتغيير والربيع، سكتت في التعاطي مع هذه الموجة، إلا من بعض بيانات تحذيرية ودعوات للسلمية.