ليس التقدير والتكريم الثقافي بغريب على إمارة الشارقة، حيث سبق ونالت لقب عاصمة الثقافة العربية، وعاصمة الثقافة الإسلامية، وعاصمة السياحة العربية. وفي هذا العام تُتَوَّجُ الشارقة بلقب العاصمة العالمية للكتاب. هناك قاسم مشترك في كل هذه الإنجازات، وهو أن العالم يرى الشارقة منارةً ثقافيةً مشرقةً في منطقة غالباً ما يُساء فهمها وقراءتها.

وهذا التقدير العالمي يلهمنا لبذل المزيد من الجهد لنشر الثقافة والمعرفة. وسوف نستمر في تشجيع تبادل الأفكار، والمعلومات، والفنون، والمخرجات الثقافية السمعية والبصرية، وجميع جوانب الثقافة الأخرى التي تعزز الشعور الأعمق بالإنسانية والتفاهم المتبادل.

قد يشكك البعض في جدوى اتباع هذا النهج في منطقة تملؤها تاريخياً الأنشطة التجارية التقليدية، وقد يتساءلون: لماذا نضع الكثير من التركيز على الثقافة والكتب والقراءة؟ وأنا أود الإجابة عن هذا السؤال بسؤال بسيط هو «ولماذا لا؟».

لماذا لا نركز على زيادة التعمق في تراثنا الثقافي وفي تقدمنا المعرفي؟ إن التركيز على الثقافة والتركيز على التنمية الاقتصادية ليسا خيارين متعارضين. فكل حضارة من الحضارات التي تركت بصمة على التاريخ البشري كان تأثيرها يعتمد على المعرفة والثقافة.

وليست الحضارة الإسلامية والعربية استثناءً من هذه القاعدة، فقد ساهمت بقدر كبير في تقدم العلوم الأساسية والطب والفلسفة والأدب والاقتصاد والعلوم الإنسانية على مدى قرون. كما أنها أرست أسسها القوية والمؤثرة على حبها وتقديرها للآداب والفنون.

ومن السهل اليوم في العالم الرقمي أن يغفل بعضنا أهمية تجربة التعلم من خلال القراءة، حيث تزايد انتشار وسائل التواصل الاجتماعي في حياتنا إلى حدٍ دفع البعض بالتوقع بنهاية قريبة لعصر الكتاب، ونهاية مختلف صور التبادل الثقافي الجدية.

وأنا لا أتفق مع هذه التوقعات. وفي الواقع أعتقد أن العكس هو الصحيح.

عندما أسافر حول العالم للعمل أو للسياحة أحرص على زيارة المكتبات والمراكز الثقافية، أرى الأمل، وأرى أشخاصاً من مختلف الأعمار والخلفيات يغوصون في صفحات المعرفة توَّاقين إلى الاستفادة من تجربة فردية عبر الكلمة المكتوبة. وعندما أزور معارض الكتب الدولية أرى التعطش للكتب في عيون الآلاف من الزوار من مختلف دول العالم. وهو تعطش في رأيي لن يتوقف طالما ظل البشر يعيشون على هذا الكوكب.

ونحن في الشارقة نحمل على عاتقنا مسؤولية كبيرة لمواصلة هذه الرحلة، ولدفع مساعي تقدم الحضارة الإنسانية، لأن تركيزنا على الثقافة وتحديداً على الكتاب والأدب يحفز شباب المنطقة ويوحدهم حول أمل التقدم والازدهار القائم على المعرفة.

ولن ندخر جهداً في مواصلة تقديم المزيد من الثقافة والمعرفة القيِّمة إلى العالم وتعريفه بعمق مخزوننا الثقافي والحضاري. ويأتي فوزنا بلقب العاصمة العالمية للكتاب ليزيد من قدرتنا على الانتصار لقيم التعاطف والتسامح والتفاهم والثقة والتعاون العالمي الأوسع بين الثقافات، تلك القيم التي لا تزال تغذي الأمل في عالم يتسم بالصراع والانقسام.

يعتمد برنامج العاصمة العالمية للكتاب، والذي نخطط له هذا العام، على ستة محاور تعكس قيمنا وأهدافنا المستقبلية، حيث تتمثل هذه المحاور في مجتمع واحد، وتعزيز ثقافة القراءة، وإحياء التراث، وتمكين الأطفال والشباب، والتوعية المجتمعية، وصناعة النشر. وسوف تتواصل جهود هذا المسعى على مدى عام كامل تعمل فيه فرق مختلفة على مدار الساعة لتخطي مستوى التوقعات وتقديم معيار عالمي جديد لأداء عواصم العالم للكتاب في المستقبل.

وشعارنا الرئيس هو «افتح كتاباً... تفتح أذهاناً». «افتح كتاباً» تعني تقديم منظور أوسع وتعزيز الاحترام والتقدير الأعمق للاختلاف، مما يعني فتح الأذهان وفتح القلوب، والقلوب المفتوحة بدورها تؤدي إلى مزيد من التعاطف ومزيد من فرص السلام والتعايش الإيجابي.

هذه هي هديتنا التي نقدمها إلى العالم، وسنواصل التزامنا وتمسكنا بمشروعنا الثقافي ودورنا الحيوي في حمل شعلة المعرفة لتنوير المنطقة بأسرها في رحلة التعلم والمشاركة الثقافية المستمرة. وهذا وعدنا الذي قطعناه على أنفسنا، ونحن عازمون كل العزم على الوفاء به.