آلمتنا، وإن لم تفاجئنا أحداث مجازر سيريلانكا. هؤلاء الناس الأبرياء البسطاء ضحايا العمل الإرهابي، قتلوا غيلة وغدراً، كما فعل من قبلهم قاتل نيوزيلندا، وكما فعلت «داعش» و«جبهة النصرة» في سوريا، ومثلما ارتكبتها «القاعدة» في العراق والسعودية وباكستان ومصر وأوروبا وأمريكا وغيرها، وغيرهم من الأشرار الذين أصبحوا جزءاً من حياة الرعب في حياة البشرية اليوم.

أنا مقتنع أنها معركة طويلة، فالعالم يواجه حرباً مع الإرهاب منذ ثلاثة عقود ومستمرة، ولا نرى لها نهاية، ربما تدوم مئة عام. وحروب الإرهاب من أخطر أنواع الحروب، فهي نتاج من الأفكار قديمة، ضاربة عروقها في تاريخ العالم القديم، سلاحها مقتبسات من الكتب المقدسة، والتقنية الحديثة التي مكنت نشرها بأرخص الأثمان، وكلما قضي على جماعات، ولدت جماعات أخرى. وبدون اتفاق دولي ضدها، وملاحقتها فكرياً، فإنها ستدوم طويلاً، وتخلف جروحاً عميقة، ورعباً وتهديداً لمستقبل البشرية.

ومع أن التركيز في المواجهة هو على التنظيمات الإرهابية، بملاحقتها وأموالها، لكنها تبقى وتقوى بفضل مشجعيها. فالمبررون الاعتذاريون، لا يقلّون سوءاً عن الإرهابيين أنفسهم، الذين يجدون للقتلة التبريرات، ويزرعون الشك في عقول الناس بأوهام المؤامرات.

ابقوا الوعي حياً، فهؤلاء هم كتائب الدفاع عن الفكر الإرهابي، الذين تعلموا فن التغرير والتبرير. فمنذ بدايات جرائم «القاعدة»، كانوا يدعون أن «القاعدة» جماعة مدسوسة، ثم قالوا إنها من فعل مؤامرة أجنبية، وعندما أصدر التنظيم الإرهابي فيديوهات تقطع الشك باليقين للقتلة، يعترفون بنواياهم، انتقل المبررون لهم إلى المرحلة التالية، اعتبارها أفعالاً انتقامية، وحرباً دفاعية، مستشهدين بما ورد في كتب القرون الماضية. في مجازر سيريلانكا البشعة، جربوا إنكارها للتشويش، مدعين أنها من فعل غيرهم، ثم حاولوا تبريرها، وسيستمرون ينشرون طروحاتهم، في ظل تقاعس المثقفين والمؤسسات الثقافية.

قالوا «لم نسمع عنها من قبل»، و«لم تحدث ولا مرة من قبل في سيريلانكا»، و«لا توجد هناك تنظيمات إرهابية». الزميلة د. نيرفانا محمود، عبر حسابها على تويتر، ردت على أحدهم، الذي قال مكذباً، هذه أول مرة يسمع فيها عن إرهابيين منتسبين للإسلام في سيريلانكا، «العزيز المتعصب خالد، (تقول) إنك لم تسمع عنها سابقاً: (تذكر) لم يكن هناك قبل 11 سبتمبر 2001، ولا قبل 2015 في فرنسا، ولا قبل تويتر، كنا نسعد بسماع صوت المتعصبين أمثالك».

وآلاف المنخرطين في ترويج الإرهاب، جيوش فكرية تؤيد التطرف، بعضها لأسماء حقيقية، ومعظمها جيوش وهمية.

المعركة على الأرض مستمرة، فالإرهابيون الأربعة الذين فشلوا في عمليتهم، وقتلوا في مدينة الزلفي في السعودية، يذكروننا بأن التنظيم العالمي حي يتنفس، وأن هناك من يعمل على إعادتهم للحياة، في كل مرة يتم القضاء عليهم.